صندوق الملك عبدالله للتنمية: 24 عامًا في بناء الإنسان
المحامي سلطان نايف العدوان
13-07-2025 11:19 AM
حين تتحوّل فكرة شبابية إلى مشروع منتج، أو تتحوّل مبادرة تطوعية في قرية نائية إلى نموذج وطني، فذلك ليس مصادفة، بل من ثمار صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، الذي جاء تأسيسه بأمر مباشر من جلالة الملك عام 2001، ليكون رافعة تنموية تعكس رؤيته في تمكين الإنسان وتحقيق العدالة في توزيع الفرص.
هذا بالضبط ما يحدث حين تُدار التنمية بعقلية تعرف أن الدعم ليس منحة عابرة، بل التزام طويل المدى يربط الفرص بالكفاءة، ويحوّل الثقة الملكية إلى برامج واقعية تتوزع بعدالة بين الكرك والطفيلة، ومن إربد إلى العقبة.
ولعل أهمية هذا الصندوق لا تكمن فقط في حجم موارده أو عدد برامجه، بل في كونه تجربة مؤسسية أردنية ناضجة، أثبتت أن الاستثمار في الإنسان هو نقطة البداية الحقيقية لأي تحول مستدام.
على مدار أكثر من عقدين، نجح الصندوق، بتوجيه ملكي مستمر، في بناء منظومة متكاملة تجعل من مؤسسات المجتمع المدني شريكًا أساسيًا لا مجرد جهة منفذة.
منظومة تتيح للجمعيات والفرق المحلية أن تصبح أذرعًا للتنمية، وتكتسب من هيكل الصندوق ما تحتاجه من معايير الحوكمة والتمويل والتخطيط طويل الأمد.
هذه التجربة تُدرّس اليوم وتُناقش كنموذج عملي قابل للتطبيق، لدول تسعى إلى ربط التنمية الاقتصادية بالتماسك الاجتماعي. ليس لأنها رفعت شعارات التمكين، بل لأنها ترجمت تلك الشعارات إلى سياسات ومبادرات قابلة للقياس والتوسع.
ومع تعاقب الحكومات وتبدّل الأدوات، بقيت الفلسفة واحدة: الإنسان أولًا.
في جوهر الرؤية التي تأسس عليها الصندوق، هناك قناعة عميقة – عبّر عنها جلالة الملك مرارًا – بأن التنمية لا تُقاس فقط بالأرقام، بل بما تُحدثه من فرق حقيقي في حياة المواطن الأردني، وبما تُعيد به ترتيب الأولويات الوطنية حول الإنسان لا حول الهياكل.
تُدار هذه الرؤية اليوم ضمن مجلس أمناء يُكلّف بتنفيذ التوجيهات الملكية، بقيادات خبرت الواقع الأردني من مختلف الزوايا، وتدرك أن الإنصاف في توزيع الفرص لا يبدأ من ورقة الخطة، بل من فهم ما يعيشه الناس في المحافظات والأطراف والمناطق الأقل حظًا.
حين يتحدث جلالة الملك عن التنمية، فهي تبدأ بالكرامة لا بالأرقام، وتُقاس بما تمنحه للناس من مكانة قبل المكاسب.
وهذا ما يجعل العلاقة بين الأردنيين وقيادتهم الحكيمة، ليست علاقة حُكم… بل التزام تاريخي بالحضور، والمساءلة، ورعاية الناس في أولويات القرار.
ومن هذه البيئة، ووفق التوجيهات الملكية المستمرة، تتوزع اليوم مبادرات الصندوق جغرافيًا في كل أرجاء المملكة، لتصل بذكاء وكفاءة لكل من يستحق الدعم والفرصة، ضمن معادلة تنموية وطنية لم تكن لتتحقق لولا وضوح البوصلة من القمة.
هكذا تكتمل معادلة التنمية الأردنية: رؤية ملكية تأسست منذ أكثر من عقدين، وخبرة مؤسسية صادقة، وإرث هاشمي يعتبر أن خدمة الناس ليست بندًا في السياسات، بل جوهرٌ في معنى الدولة.