ما الكونُ إلّا مرآةً، لا تعكسُ شيئًا إلّا إن وقفتَ أمامَها بعينٍ باطنةٍ، وسؤالٍ حيٍّ، وما الحياةُ إلّا نَصٌّ مفتوحٌ على احتمالاتٍ شتّى؛ لا يُقرأُ إلّا إذا جلستَ إلى صفحاته وقرأتَ بما في قلبك، لا بما في سطورِ الواقعِ، المعنى لا يُهدى كهديةٍ، بل يُنتزعُ كما تُنتزعُ الأرواحُ من ظُلمةِ المادّةِ.
إنّ تفاصيلَ حياتِك، إن لم تُلبِسْها المعنى، ذابتْ في تيهِ النسيانِ كأنّها لم تكن، لا تبقى في الذكرى، لأنّ الذاكرةَ لا تحتفظُ بما لا يهمّ، بل بما هزّها، أثّر فيها، والنفسُ لا تعيشُ بالخُطى وحدَها، بل بالقصصِ التي تحكيها لنفسِها عن هذه الخُطى.
يتساءلُ البعضُ في غفلةٍ: "ما المعنى؟"، وكأنّ المعنى شيءٌ يُلتقطُ من الخارجِ، أرأيتَ يومًا نفسًا تقول: "إنّي بلا روحٍ"؟ كذلك الأشياءُ، حين تفقدُ معناها، تموتُ وإن بقيتْ أمامَك، الكائناتُ تذوي، لا بفقدِ الشكلِ، بل بفقدِ الرسالةِ.
الأماكنُ التي ترتادُها، إن لم تُحافِظْ على جماليّتها، تفقدْ قُدسيّتَها في نفسِك، أنت لا تُحبُّ المكانَ لأنّه جميلٌ، بل لأنّه يعني لك شيئًا؛ ولذلك تحرصُ على ألّا يضيعَ المعنى منه، فتُجمِّلُه، وتُنظِّفُه، وتحنّ إليه.
هكذا، لا معنى لشيءٍ إلّا إن منحتَه أنت هذا المعنى، لا جدوى من طريقٍ لم تخترْ أن تمشيَه بقلبِك، ولا وزنَ لزمنٍ لم تنسجْ فيه لحظةً ذاتَ دلالةٍ، أنت الصانعُ، لا المُشاهدَ. وأنت من يُقيمُ الأشياءَ، أو يُميتُ حضورَها بتجاهلِك.
في النهاية، لا تسألْ: "أين المعنى؟"، بل قُلْ: "أين أنا من هذا المعنى؟"
فالحياةُ تُعطينا كلَّ شيءٍ، لكنّ المعنى… نحن من نَهبُه لها...