الجامعات الأردنية .. بين التعليم والتصنيف والبحث الغائب
د. أحمد غندور القرعان
15-07-2025 09:39 AM
الجامعات الأردنية نشأت لأغراض تعليمية، لا بحثية. تأسست لتخدم حاجات المجتمع المحلي من المعلمين، والمهندسين، والمحاسبين، والأطباء. دورها الأساسي ظل تدريسياً، يركّز على تأهيل الطلبة وليس على إنتاج المعرفة. هذا ليس تقصيراً، بل توصيف دقيق للوظيفة التي بُنيت عليها هذه الجامعات منذ البداية.
لكن رغم هذا الواقع، تسلك جامعاتنا سلوكاً متناقضاً. تسعى بقوة وراء التصنيفات العالمية، التي تقوم أساسًا على مؤشرات البحث العلمي، لا على جودة التدريس أو عدد الخريجين. هذا السلوك يخلق مفارقة صارخة: نطلب موقعًا في تصنيف لا نمتلك مقوماته. فنلجأ إلى سلوكيات غير سليمة للحصول على ترتيب لا يعكس واقعنا. من هذه السلوكيات، التعاقد الشكلي مع باحثين عالميين، أو نشر أبحاث في مجلات تجارية، أو تضخيم أرقام غير دقيقة.
دراساتنا العليا تعاني من نفس الأزمة. ماجستير ودكتوراه تُمنح في كثير من الأحيان بدون إنتاج علمي حقيقي. رسائل لا تلامس الواقع ولا ترتبط بحاجات السوق. الطالب يبحث عن شهادة تؤهله للترقية، لا مشروع بحث يحل مشكلة وطنية أو يدفع باتجاه ابتكار. النتيجة: إنتاج علمي هزيل، وأبحاث لا تُقرأ ولا تُطبّق، وشهادات فارغة من القيمة الاقتصادية أو المعرفية.
لنتحول إلى جامعات بحثية، نحتاج أولًا إلى مصارحة الذات. أن نعيد تعريف هدف الجامعة، ونحررها من عبء الشكليات. نحتاج إلى تمويل بحثي حقيقي، وقيادات أكاديمية مؤمنة بالبحث، وأنظمة تقييم تُقدّر الإبداع لا الكم.
ما نعيشه اليوم هو صراع بين الشكل والمضمون. فهل نملك الجرأة لاختيار الطريق الصعب؟ طريق بناء جامعة تنتج معرفة، لا تستهلكها فقط؟