أرض جديدة للوزارات والمؤسسات
د. صالح سليم الحموري
16-07-2025 12:28 PM
في قلب كل مؤسسة، مهما تباين حجمها أو نشاطها، توجد "طاقات كامنة"، وجواهر إنسانية مدفونة تنتظر من يكتشفها. موظفون يحملون في داخلهم تجارب ثمينة، أفكارًا ناضجة، وشغفًا دفينًا نحو "الإبداع والابتكار" والمساهمة، لكنهم كثيرًا ما يُحاصرون داخل قوالب تقليدية، وإجراءات لا ترى الإنسان بقدر ما ترى الهيكل واللقب.
يقول البعض إن النهضة والتطوير والتقدم والتغيير تبدأ من الاستراتيجية، ومن البنية، ومن الأنظمة، لكنّ الحقيقة الأعمق أن النهضة الحقيقية تبدأ من "الإنسان". من نظرة المؤسسة إلى موظفيها: هل تراهم أدوات تنفيذ… أم شركاء في التشكيل؟
"الأرض الجديدة" التي تحتاجها وزارات ومؤسسات اليوم ليست مجرد أرضٍ مبنية من الإسمنت والخطط، بل هي أرض تُزرع فيها بذور "الثقة". ثقة بأن الموظف ليس مجرد منفذ للمهام، بل هو عقل مفكر، وطاقة مُبادرة، وصوت يستحق أن يُسمع. عندما يُنظر إلى الموظف كمالكٍ للخبرة، وليس كمجرد متلقٍ للتوجيهات، تتغير المعادلة بالكامل.
من هنا، قبل أن نعيد الثقة بين المؤسسات والمتعاملين، يجب أولًا إعادة الثقة بين المؤسسة وموظفيها.
"القيادة" التي تريد النهوض بمؤسستها لا تُصدر الأوامر من الأعلى، بل تنزل إلى الميدان، تُصغي، تطرح الأسئلة، وتُشرك. هي قيادة تفهم أن القرار حين يُولد من عقل جماعي، يكون أكثر نضجًا، وأكثر قابلية للتنفيذ، لأنه نابع من الداخل، لا مفروض من الخارج.
إن المؤسسات التي ما زالت تُدار بعقلية السيطرة والخوف تفقد أجمل ما فيها: الإنسان. تفقد الحماس، والولاء، والمرونة، والأفكار غير المتوقعة. أما التي تختار أن تبني "أرضًا جديدة" داخل جدرانها، فهي تلك التي تحتضن "المواهب" وتُنقّب عن "الكنوز" بدل أن تُهملها، وتمنح موظفيها "الأمان" لا كي يسكنوا، بل كي يبدعوا.
ربما آن الأوان أن تتوقّف المؤسسات عن البحث خارجها… وأن تبدأ بالتأمل في داخلها. فالثروات الحقيقية ليست في الميزانيات، بل في العقول والقلوب التي لم تُستثمر بعد. والفرص ليست فيما تشتريه من الخارج، بل فيما تنمّيه في الداخل.
"أرض جديدة" في المؤسسات تعني ثقافة جديدة:
ثقافة الإنصات بدل الإملاء.
ثقافة الإشراك بدل الإقصاء.
ثقافة الثقة بدل الشك.
إن الموظفين ليسوا عبئًا، بل أصلًا. ليسوا أدوات، بل شركاء. ومن يملك الشجاعة ليُطلق العنان لقدراتهم، يبني مؤسسة لا تخاف التغيير… بل تصنعه.