facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قراءة في ظاهرة عجيبة!


د. حسين سالم السرحان
16-07-2025 02:11 PM

* خطاب الغرائز ومخاطر تسطيح وعد الله

أتجنب عمومًا الخوض في الدين والسياسة إلا في حال الاهمية للقضية او الموضوع عندما يتعلقان بالمجتمع والانسان انطلاقًا من المسؤولية الاخلاقية،

وعليه فقد هالني حد الصدمة ما قرأته اليوم على صفحة أحد الشباب، وقد بدا واضحًا أنه دخل إلى التدين من بوابة غير لائقة، عبر اختزال الدين في خطاب الغرائز، وهي ظاهرة بدأت تتنامى في السنوات الأخيرة على منصات التواصل الاجتماعي.

فقد برزت موجة من المحتوى الديني الذي يركّز بشكل مبالغ فيه على الشهوات في الجنة، وخصوصًا على موضوع “الجماع” و”الحور العين” والطعام والشراب والشراب، وكأن نعيم الآخرة لا يتجاوز هذه الجوانب، في تجاهل صريح لمعاني الجنة الروحية والوجدانية، بل والخلقية العظيمة التي تحدثت عنها نصوص القرآن والسنة.

ويستند بعض هؤلاء إلى أحاديث نبوية منقولة عن مصادر متعددة، أشهرها الحديث الذي يُروى فيه أن الرجل في الجنة “يُعطى قوة مائة رجل في الطعام والشراب والشهوة والجماع”، أو حديث “يُجامع في اليوم مئة عذراء”، مما يدعو إلى التساؤل المشروع:
هل يُعقل أن تتركّز مكافآت المؤمن في الجنة على الشهوة الجسدية؟

وهل هذا هو التصوّر الذي يريدنا الإسلام أن نحمله عن وعد الله لعباده الصالحين؟

بدايةً، لا بد أن نؤكد أن الأحاديث النبوية الشريفة لا تُفهم بالاقتصاص منها، أو بعرضها المجتزأ بعيدًا عن سياقها الديني والتاريخي واللغوي.

فالفرق كبير بين النقل، وبين الفهم العميق الذي يبنيه العلماء على مدار قرون من التأمل والتفسير والاجتهاد.

والحديث الذي يشير إلى جماع الرجل في الجنة ورد في بعض كتب الحديث بطرق متفاوتة، وغالبًا ما يُطرح دون شرح علمي أو توضيح لمقصوده الحقيقي، بل يتم تداوله وكأنه وعد جنسي صريح، في غياب الحديث عن الصورة الكلية للجنة، والتي تشمل الرضا الإلهي، والطمأنينة الأبدية، والنظر إلى وجه الله الكريم، ولقاء الأنبياء والصالحين، والخلود في سلام لا يعتريه نقص.

إن تصوير الجنة على أنها دار شهوة فقط يُعد تقزيمًا لحكمة الله وعدله ورحمته، وإساءة صريحة لمقاصد هذا الدين العظيم الذي بُني على الطهارة والعفاف والتقوى، واحترام الإنسان لنفسه وجسده.

فالله عز وجل لم يعد المؤمنين بالجنة لأنهم أشد شهوة أو أقوى جسدًا، بل لأنهم أتقى وأصدق وأصلح.

والنعيم في الجنة – وإن تضمّن ما تُشتهى الأنفس – إلا أنه متحرّر من نوازع الدنيا، ومن الدوافع الغريزية الحيوانية، فهو نعيم لا يفسده ملل ولا تُنغّصه شهوة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر”، أفنختزل هذا النعيم الخالص في جماع وعدديته؟

وهل هذا هو ما نعلّمه لأبنائنا عن الجنة؟ أليس في ذلك امتهان لجلال الوعد الإلهي؟

الخطورة لا تكمن في النصوص بحد ذاتها، بل في طريقة عرضها، وسطحية فهمها، خاصة من قبل فئات تحوّلت فجأة إلى “وعّاظ إلكترونيين” بلا أدوات علم أو منهج.

فحين تُقدّم هذه الأحاديث وكأنها دعوة للإسلام من بوابة الشهوة فقط، فإنها لا تجذب، بل تُنفّر.

بل إن كثيرًا من النساء والباحثين عن الحقيقة، يصابون بالصدمة من هذا الطرح، إذ تبدو الجنة وكأنها مكافأة ذكورية بحتة، وتُقدّم فيها المرأة كوعاء للذة، لا كشريك في النعيم.

إن الأديان، ومنها الدين الإسلامي، جاءت لتهذيب النفوس، وإصلاح القلوب، وتكريم الإنسان، لا لاستثارة الغرائز أو تسويق “جنة الجسد”.

إن الجنة دار رحمة وعدالة وسلام، لا مكان فيها للمقارنات الحيوانية أو الرغبات التي تُخدش بها كرامة الإنسان.

وقد آن الأوان للدعاة والعلماء وأصحاب التأثير أن يتحملوا مسؤوليتهم الأخلاقية في تصحيح هذا الخطاب، والتأكيد على أن الإسلام دين عدل ورحمة وعقل، لا دين غريزة وسطحية.

هل يليق أن نتبع – دون تدبّر – قول من يروّج: “والذي نفسي بيده، إن أحدكم ليُعطى قوة مائة رجل في الطعام والشراب والشهوة والجماع”، وكأن هذا هو جوهر الدين وخاتمة المطاف؟

أي مغزى يريد هؤلاء أن يُوصلوه؟

هل يرون أنفسهم رعاة للتقوى وهم يُلوون عنق النصوص، ويفرغون الدين من جوهره الأخلاقي؟

أليس من واجبنا أن نتذكر أن للدين هيبته، ولنصوصه قدسيتها، ولنفوسنا سموّها؟





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :