إن ما يشهده المجتمع المحلي من أزمات اقتصادية متلاحقة، بات الفقر واحدًا من أبرز التحديات التي تهدد استقرار الأفراد والمجتمع. وتتفاقم المشكلة حين يتقاطع الفقر مع ارتفاع ومحدودية الدخل وتقلص فرص العمل، مما يجعل الحياة اليومية معركة صعبة يخوضها المواطن لتأمين احتياجاته الأساسية من مأكل ومسكن وكرامة.
لأن الظروف المعيشية الحالية لم تعد تحتمل الكثير من الصبر، والأسر ذات الدخل المحدود تعاني من ضغوط متزايدة، بينما كلفة التعليم والصحة والنقل والتدفئة وغيرها من الخدمات الأساسية، في المقابل، لا توازي الرواتب والفرص المتاحة هذا الغلاء الفاحش، لتترك الطبقة الفقيرة في دوامة لا تنتهي من العجز والقلق.
والسؤال الملح: أين السبيل للعيش وسط هذه الظروف؟
الجواب ليس سهلًا، لكنه يبدأ بالإرادة والوعي المجتمعي. فالدولة مطالبة بوضع سياسات تنموية تضمن العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وتوسيع المظلة الاجتماعية. كما أن دعم المشاريع الصغيرة وتمكين الشباب والمرأة اقتصاديًا من أهم الأدوات للخروج من دائرة الفقر.
صحيح أن ارتفاع حجم المديونية العامة يشكل عائقًا كبيرًا أمام تنفيذ برامج التنمية، لكن لا يجب أن تكون ذريعة للاستسلام، أو استمرارية النهج المرتفع بكل مقومات الحياة، والذي يجعل كاهل المواطن في ضنك العيش. لذا، يمكن تبني حلول واقعية وفعالة كإعادة ترتيب الأولويات الوطنية ومكافحة الفساد الإداري والمالي الذي يستنزف المال العام دون فائدة.
أيضًا، التركيز على الاقتصاد الإنتاجي بدلًا من الاقتصاد الاستهلاكي، وذلك من خلال تحفيز القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة المحلية والسياحة والمشاريع الريادية الصغيرة، ودمج الشباب في العملية الاقتصادية كقوة تغيير حقيقية.
وإننا نمتلك طاقات فكرية وشبابية هائلة قابلة للاستثمار وتوظيف الذكاء الاصطناعي والرقمنة ومقدرة الشباب الأردني وكفاءته حين تتاح له الإمكانيات، خاصة في المشاريع الخضراء وأنظمة المدن الذكية.
هذه القوى البشرية تستطيع أن تكون قوة التغيير الاقتصادي، وتنقل هوية الإنتاج إلى رافد تنموي مستدام يدعم عجلة الاقتصاد المحلي، وبالتالي نسيطر على معدل الفقر، كي لا يتنامى ويخنق الأسر أكثر.
وتكمن القوة أيضًا في الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتوجيه الاستثمارات نحو المناطق المهمشة، وتعزيز برامج التعليم والتدريب المهني لتأهيل الشباب لسوق العمل وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وفق مخطط زمني واستراتيجية قابلة للتطبيق.