facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المعنى


د. صالح سليم الحموري
23-07-2025 11:03 AM

يوم أمس وفي احدى مقاهي عمان العتيقة، اجتمعنا على طاولة حديث مع الصديقين العزيزين إبراهيم غرايبة ويوسف ربابعة. جلسة من تلك التي تُغنيك عن مؤتمرات الفكر وحوارات الشاشات، لأن فيها من الصدق والمعرفة ما يكفي لإعادة ترتيب عقلك وقلبك معًا.

وفي خضم الحديث، أفصح إبراهيم، بعفويته الفلسفية المعتادة، أنه انتهى من تأليف كتاب جديد. سألته عن العنوان، فقال بهدوء الواثق:
"المعنى"

هكذا، بكلمة واحدة فقط.

كأنما أراد أن يقول كل شيء دفعة واحدة.

المعنى... يا له من عنوان ثقيل، عميق، موارب، يشبه صاحبه.

كان يجلس بجانبنا أحدهم، فسأله:

"كم صفحة الكتاب؟"

أجاب إبراهيم: "حوالي 800".

ردّ الرجل بسرعة: "كثير! أنصحك تقسمه لأجزاء، الناس ما بتحب الكتب الكبيرة."

ضحكتُ في داخلي. كم مرة سُئل نيتشه أو ابن خلدون هذا السؤال؟ وهل تُقاس الرحلات العميقة بعدد الصفحات؟

من يعرف إبراهيم غرايبة يدرك أن كتبه ليست للقراءة السريعة في المقاهي، بل هي رحلات طويلة، تحتاج وقتًا وهدوءًا، كأنك تستعد لتسلق جبل أو الإبحار في محيط.

أنا قرأت كل كتبه تقريبًا. وأعني هذا حرفيًا.

بدأت من "القافلة والسراب"، ذلك الكتاب الذي أخذنا برحلة عبر الزمن وعبر الأماكن، وتجرأ فيه على قول ما لم يجرؤ عليه كثيرون، حين قال:
"نحن الأردنيون نعيش في بلاد الأنبياء."

عبارة تختصر شعوره بهوية المكان والزمان، وتمنحنا بُعدًا رمزيًا عميقًا لما نعيشه.

ثم قرأت "جينولوجيا التقدّم"، وكتابه الذي أعترف – دون خجل – أنني "سرقت" منه الكثير من الأفكار واستخدمتها في برامجي التدريبية:
"من الهرمية إلى الشبكية".

هذا الكتاب بالذات كان فتحًا جديدًا في فهم بنية المجتمعات والمؤسسات في عصر ما بعد الحداثة.

ما زلت أذكر بعض العناوين التي استخدمتها كما هي في ورشاتي، ليس لأنها تسهّل الشرح، بل لأنها ببساطة، أكثر وضوحًا وعمقًا مما كنت سأكتبه بنفسي.

أما دليله في تعليم الحضارات، فقد كان مخزنًا للأفكار والنظريات، ومرة أخرى، وجدت نفسي أقتبس منه، لا لضعف في أدواتي، بل لإعجابي الشديد بما كتبه.

كتب إبراهيم ليست قصيرة.

وغالبًا ما تتجاوز الـ500 صفحة، وربما أكثر.

لكنني أرى أن هذا الحجم ليس عبئًا، بل ضرورة.

لأن من يريد أن يقرأ لغرايبة، عليه أن يتحضّر لرحلة طويلة، فلسفية، غنية، وممتعة.

هي ليست نزهة فكرية، بل مخاض معرفي يعيد تشكيل الأسئلة التي تظن أنك عرفت أجوبتها.

لذلك، حين نصحه الرجل أن يُقسّم كتابه الجديد إلى أجزاء، قلت له:

"لا تفعل. دع الكتاب رحلة طويلة... نريد أن نستمتع بها دون انقطاع."

نحن بحاجة في هذا الزمن السريع إلى من يبطئنا قليلًا، إلى من يذكّرنا أن الأفكار لا تُولد في العناوين السريعة، بل في التأمل، والتراكم، والعمق.

وإبراهيم غرايبة... واحد من القلائل الذين ما زالوا يؤمنون بأن "المعنى" لا يُختصر، ولا يُعبَّأ في كتيب صغير، بل يُعاش، ويُكتب، ويُقرأ على مهل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :