في كل عام، ومع اقتراب موعد مهرجان جرش، يخرج الجدل ذاته: أصوات ترفض، وأخرى تدافع. الرافضون يتخذون من الأوضاع الإقليمية ذريعة، مرة باسم غزة، وأخرى باسم الظروف المعيشية. لكن السؤال الحقيقي: هل المشكلة في مهرجان جرش أم في طريقة نظرنا إلى الثقافة والفن؟
جرش ليست مجرد حفلات غنائية، بل نافذة الأردن نحو العالم، ومساحة تُعرّف الزائر والضيف بهوية هذا البلد البسيط العميق بثقافته. لبنان يُعرف بفن فيروز، ومصر خلدت في وجداننا عبر أم كلثوم، فما الذي يمنع الأردن من أن يكون له مهرجانه الذي يجمع الشعر والموسيقى والمسرح في قلب مدينة أثرية هي جوهرة التاريخ؟
الازدواجية التي نعيشها لافتة؛ نفس الأصوات التي ترفض جرش بدعوى التضامن مع غزة، تتغاضى عن عشرات المهرجانات والحفلات التي تقام في كل الوطن العربي بلا انقطاع ، رغم أن هذه الدول تواجه تحديات اقتصادية وسياسية لا تقل عن تحديات الأردن. فلماذا الأردن وحدها مذمومة؟
ثم لنسأل بصراحة: لو استقرت غزة، هل كان هؤلاء سيقبلون بجرش؟ الواقع يقول لا؛ سيخرجون بذريعة أخرى: “الوضع المعيشي لا يسمح”، “الأولويات مختلفة”، وكأن إلغاء الفرح هو الحل السحري لأزماتنا. نحن بحاجة إلى أن ندرك أن الفنون والثقافة ليست ترفًا، بل هي جزء من هوية البلد وصورته في الخارج. كل الأمم تبني مكانتها عبر الثقافة، فلماذا نريد أن نحرم الأردن من هذا الحق؟
جرش ليس ضد غزة، ولا ضد الفقراء. جرش مساحة للفرح والتعبير، ومهرجان يمتد أثره على الاقتصاد والسياحة، وينعكس على صورة الأردن عالميًا. أما اختزال القضية في “مهرجان يجب أن يُلغى” فهو تبسيط مخل، وازدواجية لم تعد مقبولة في زمن تسعى فيه الدول إلى أن تصنع لنفسها وجهًا ثقافيًا يليق بها.
الأردن لا يجب أن يعتذر لأنه يفرح. على العكس، الفرح فعل مقاومة، والثقافة جسر يربطنا بالعالم. جرش ليس مهرجانًا عابرًا، بل رسالة تقول: نحن هنا، رغم الألم، نصنع الأمل. وإذا كان الحزن لا يوقف العالم عن الغناء، فلماذا نريد أن نصمت نحن؟