أشعرُ بالزهو.. زهو يشبه تماماً دمعة فرح تنزل على الوجه دون استئذان، حين ترى شاحنة أردنية تخترق الحصار، وتدخل غزة؛ فما بين عجلات القافلة ودعاء الأمهات في الكرك وإربد ومعان، مسافة واحدة: اسمها "الكرامة".
كأن الأردن، كله، كان يسير في تلك اللحظة خلف تلك الشاحنات… ليس بسيارات الدفع الرباعي، ولا بخطابات الطوارئ، بل بقلوب الناس… بقلب أم أردنية تدعو لغزة وكأن ابنها هناك، وبعين جندي ينظر إلى الحدود، كما ينظر الابن إلى بيت أخيه المحاصر.
حين رأيت القوافل تدخل، لم أرَ فقط المساعدات، بل رأيت شوارع عمان تمدُ جسراً من الرحمة، وأبناء الكرك ومعان والسلط والطفيلة والعاصمة يبذلون مشاعرهم وحزنهم قبل أي شيء آخر… لم تكن تلك المساعدات محض قرار سياسي فقط، بل كانت نداء فطرة.. نداء دم.
يقول الأردن بوضوح: “غزة مش لحالها”، من دون أن يُبرر، ولا يشرح، ولا يتوسل التصفيق، نحن لسنا خريطة فقط… نحن أناس. نبكي. نخاف. نحزن. ونقف مع من بقي وحده في وجه الظلم.
هل تعرفون ما الذي يجعلنا فخورين؟ ليس فقط أن الأردن أرسل الغذاء والدواء، بل أنه أرسل جزءاً من ضميره للعالم.
لم يُرسل غباراً إعلامياً، ولا موكباً متخماً بالبروتوكول… بل أرسل أبنائنا الحقيقيين. شبابنا بملامح تعب وبعيون تعبر أكثر من ألف تصريح.
القيادة في بلدي تعرف جيداً متى يصمت العالم، ومتى يجب أن تتكلم الإنسانية؛ فجلالة الملك عبدالله الثاني لم يكتفِ بالتحذير، بل أمَر، فتحرك.. فتح البوابة، لا بالكلمات، بل بالفعل.
وهذا هو الفارق.
حفظ الله بلادنا من كل مكروه وشر.