محكمة الشرطة الأردنية .. تجربة فريدة تستحق التكرار عربياً
م. وائل سامي السماعين
24-07-2025 08:04 PM
أثار بيان الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام الأردنية مؤخرًا اهتمامًا لافتًا، إذ أعلن عن قرار المدعي العام – الذي يترأس هيئة التحقيق في القضاء الشرطي – بتوقيف عدد من رجال الأمن العاملين في مديرية شرطة الرمثا على ذمة التحقيق في قضية وفاة أحد الموقوفين داخل المركز. وأكد أن القضية ستحال إلى محكمة الشرطة بعد استكمال إجراءات التحقيق.
هذا النوع من الأخبار نادرًا ما يُسمع أو يُقرأ عنه في العديد من الدول العربية، بسبب غياب الشفافية أو ضعف آليات المحاسبة الفعلية داخل المؤسسات الأمنية. لكن في الأردن، يشكّل وجود محكمة شرطية متخصصة خطوة متقدمة في مجال العدالة المؤسسية، حيث يُحاكم رجال الأمن العام عند ارتكابهم تجاوزات جنائية أو مهنية أثناء تأدية مهامهم، ضمن إطار قانوني واضح.
يعدّ هذا النموذج القانوني الأردني من التجارب القليلة في العالم العربي التي تسعى إلى تحقيق التوازن بين هيبة الدولة وحقوق الإنسان. فالمحكمة، رغم تبعيتها الداخلية لمديرية الأمن العام، تخضع لإجراءات واضحة تكفل حق الدفاع والمساءلة، وتبعث برسالة واضحة: لا أحد فوق القانون، حتى من يحمل سلاح الدولة.
في المقابل، تعتمد غالبية الدول العربية على القضاء العسكري أو النيابات العامة في محاسبة رجال الأمن، ما يجعل الإجراءات عرضة للاتهامات بانعدام الاستقلالية وغياب العدالة، لا سيما في قضايا التعذيب أو الوفاة تحت الحجز. وغالبًا ما تكون هذه المحاكمات مغلقة، أو شكلية، مما يكرّس ثقافة الإفلات من العقاب ويضعف الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة.
لماذا نحتاج إلى محاكم شرطية في كل الدول العربية؟
1- لضمان حقوق المواطنين عند تعرضهم لانتهاكات من قبل أفراد الأمن.
2- لحماية رجال الأمن الشرفاء من التعميم والاتهام الجماعي.
3- لتعزيز ثقة المواطنين بالأجهزة الأمنية كمؤسسات خاضعة للقانون.
4- لرفع مستوى الأداء المهني داخل الأجهزة الأمنية عبر رقابة قانونية منظمة.
أما بالنسبة للتوصيات لإصلاح أنظمة المحاسبة الأمنية في العالم العربي:
1- إنشاء محاكم شرطية متخصصة ومستقلة ترتبط بالقضاء المدني لا العسكري.
2- إخراج قضايا رجال الأمن من اختصاص القضاء العسكري في حال كانت تتعلق بانتهاكات بحق المدنيين.
3- ضمان علنية المحاكمات الكبرى خاصة في قضايا التعذيب أو القتل.
4- تفعيل هيئات رقابة مدنية مستقلة تستقبل الشكاوى وتتابع مجريات التحقيق.
5- نشر ملخصات القضايا والعقوبات بانتظام لتعزيز الشفافية.
6- دمج مفاهيم حقوق الإنسان في التدريب الأمني النظامي لضمان السلوك المهني.
العدالة لا تُجزأ، ولا يمكن أن تُعلَّق تحت ذريعة حماية الأمن العام. فالدولة القوية ليست تلك التي تحصّن أجهزتها من المساءلة، بل التي تخضعها للقانون وتحاسب كل من يتجاوزه. ومن هنا، فإن تعميم نموذج المحكمة الشرطية الأردنية، وتطويره بما يضمن استقلاليته وشفافيته، هو خطوة جوهرية نحو بناء دولة القانون، وضمان العدالة، وترسيخ المواطنة.
waelsamain@gmail.com