يوم استثنائي في حضرة "قاضي القضاة"
فيصل تايه
27-07-2025 01:40 PM
لطالما كان القضاء الشرعي في الأردن ركناً أصيلاً من أركان الدولة ، وحامياً للحقوق والكرامة الإنسانية في المجتمع ، وحصناً ودرعاً للأسرة ، فمنذ ان تأسست "دائرة قاضي القضاة" في عهد الملك المؤسس عبدالله بن الحسين -طيب الله ثراه- عام ١٩٢١ ، استمر تطويرها عبر العهد الهاشمي ، باعتبارها المؤسسة القضائية التي تضمن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ، و"المرجع الأعلى" للقضاء الشرعي ، فعملت على تعزيز مكانة القضاء كركيزة أساسية للدولة الحديثة، من خلال بناء منظومة قضائية عصرية تتسم بالكفاءة والعدالة والنزاهة ، تنبع من استمرارية الدور المحوري لهذه "المؤسسة الوطنية الشرعية" ما يقتضي الحفاظ على الأصالة ، ومواكبة مستجدات العصر ، وضمن رؤية مستمدة من التوجهات الملكية السامية التي تدعو إلى التحديث والتطوير الشامل ، اضافة لتعزيز مبادئ سيادة القانون، والحوكمة الرشيدة، والعدالة الناجزة، وبما يتسق مع الخطط الحكومية الطموحة وبرامج التنمية المستدامة .
ان التزام "دائرة قاضي القضاة" بمسؤولياتها الوطنية ياتي ليجسد نهجها الثابت في الشفافية والتواصل المستمر الفعال مع المجتمع ، ومع النخب المؤثرة ممن يحملون رسالة الوطن ومؤسساته ، فكانت فرصة قيمة لنا في "ملتقى النخبة elite " لنقل الصورة الإيجابية من خلال متابعة أنشطة هذه "الدائرة الوطنية الشرعيه" وتواصلها الفعال ، لذلك لم تكن زيارتنا مجرَد زيارة بروتوكولِية ، بل فرصة للاطلاع على الإنجازات التي حققتها ، مستحضرين خلالها مسيرتها التحديثية وبرامجها التنفيذية .
لقد اتيحت لنا الفرصة من خلال هذه الزيارة الاطلاع على أهم ما تحقق من إنجازات في إطار سعي الحكومة لتنفيذ رؤيتها بإرادة راسخة، وضمن نهج يهدف إلى متابعة رفع كفاءة الأداء العام ، وتوسيع دائرة المشاركات من كافة القطاعات الحكومية والمؤسسات المرتبطة بها ، فكان لهذه الدائرة خصوصيتها المتفردة خاصة ما هو متعلق "بالاضافات المتفرقة" التي تعبر عن مسيرة متواصلة من التحسينات الممنهجة ، فكل خطوة اقدمت عليها "دائرة قاضي القضاه" جاءت نتيجة تخطيط دقيق نفذت بإتقان عكست مدى الطموح ، ذلك ليكون نهج عملها في القضاء الشرعي نموذجا يحتذى به في الكفاءة والفاعلية والعدالة الناجزة.
لقد أثبتت "دائرة قاضي القضاة" ومن خلال ما اطلعنا علية من سبيل أداء ، أنها ليست مجرد مؤسسة قضائية، بل شريك فاعل في دعم الاستقرار الأسري والاجتماعي، ومكون حيوي في صون منظومة العدالة ، ذلك بالنظر الى الدور الذي تقوم به هذه "المؤسسة الوطنية الشرعية" وما تتحمله من عظم في المسؤوليات والمهمات بقيادة ربانها سماحة الشيخ عبد الحافظ الربطه "قاضي القضاه" وسماحة رئيس المجلس القضائي الشرعي القاضي الدكتور كمال الصمادي واصحاب العطوفه القضاه الشرعيين اصحاب المهام والمسؤوليات العليا في هذه الدائرة الشرعيه ، ذلك دليل واضح على عمق الترابط والانسجام والتوافق بين تلك القيادات الإدارية الشرعية ، ليتكلل بثمرة جهد مؤسسي متكامل ، ونتيجة عمل دؤوب استند إلى الرؤية الملكية السامية بأن تكون مؤسسات الدولة أكثر قدرة على تلبية حاجات المواطنين ، وأكثر وعيا بمتغيرات الواقع الاجتماعي ، وأكثر التزاما بتقديم العدالة بوصفها حماية لا مجرد إجراء ، ليتجاوز الدور في الامور المتعلقة بالأحوال الشخصية ، الفصل في النزاعات، ليشمل تنظيم العديد من جوانب الحياة المدنية كعقود الزواج والطلاق، حصر الإرث، الوصاية، والحضانة، بالإضافة إلى الإشراف على المحاكم الشرعية وتطوير كوادرها .
اننا وقد تابعنا مسيرة عطاء "دائرة قاضي القضاة" الحافلة ، والمرتكزة على استراتيجيات تهدف إلى تعزيز كفاءة الجهاز القضائي الشرعي واستقرار المنظومة القضائية ، بالتمكن من انجاز المهام الأساسية من القضايا بنسبة عالية رغم الزيادة في عددها ، ما يعكس القدرات المميزة التي يتمتع بها هذا الجهاز والتخطيط الدقيق لإدارة حجم العمل المتزايد ، ناهيك عن تعزيز البنية التحتية والاستدامة كرؤية إستراتيجية ، ذلك من خلال إقامة قصور عدل شرعية جديدة في المحافظات ، والعمل على استبدال المباني المستأجرة بمباني مملوكة ، والاستدامة البيئية والمالية من خلال مشاريع الطاقة الشمسية الرائدة .
اما وفي اطار تبيسط الإجراءات وتجويد الخدمات المقدمة للمواطنين ، فقد كان في طليعتها "التحول الرقمي" اذ شهدت الدائرة قفزة نوعية في هذا المسار ، من خلال التوسع في الخدمات الإلكترونية التي تسهل على المواطنين إنجاز معاملاتهم الشرعية دون الحاجة للحضور الشخصي المتكرر ، اذ يشمل ذلك رقمنة الأرشيف، وإتاحة تقديم الطلبات والاستعلام عن القضايا عبر الإنترنت، وتطوير منصات إلكترونية للتوعية القانونية الشرعية، مما يوفر الوقت والجهد ويقلل من الأعباء الإدارية.
كما وان ما يسجل لهذه الدائرة ما يتمحور حول الإطار القانوني وتطوير التشريعات وتحديث الأنظمة المعمول بها من خلال مراعاة متطلبات العصر ، اضافة الى القيام بتعديل قانون تشكيل المحاكم الشرعية لتجويد مدخلات الجهاز القضائي، وتنظيم وتطوير وظيفة التفتيش القضائي، لضمان أعلى مستويات الكفاية والنزاهة ، حيث تعد مراجعة وتحديث التشريعات المتعلقة بالأحوال الشخصية أحد الأولويات المستمرة للدائرة ، قد تشهد هذه الجهود ثمارًا ملموسة عبر إقرار تعديلات قانونية تهدف إلى مواكبة التغيرات الاجتماعية، وحماية حقوق الفئات الأكثر ضعفاً كالمرأة والطفل، وتبسيط الإجراءات القضائية مع الحفاظ على جوهر العدالة الشرعية.
ان ما توليه "دائرة قاضي القضاة" من اهتمامً بالغً بتنمية القدرات المعرفية والمهارية للقضاة الشرعيين والموظفين الإداريين كان محط تقديرنا ، حيث المضي في تنفيذ برامج تدريبية متخصصة في مختلف جوانب القانون الشرعي، إدارة القضايا، مهارات الاتصال، وحتى استخدام التقنيات الحديثة، لضمان أعلى مستويات الكفاءة والمهنية في تقديم الخدمات القضائية.
كما وان مسؤولية الدائرة تتجاوز الجانب القضائي لتشمل دورًا توعويًا هامًا ، وهذا ما كنا نركز عليه في حوارنا ، فقد كثفت الجهود في مجال التوعية القانونية الشرعية للمجتمع حول حقوق وواجبات الأفراد في إطار يعزز من برامج الإرشاد الأسري للحد من حالات الطلاق ومعالجة المشاكل الأسرية قبل تفاقمها.
كما ومن المرجح أن تواصل "دائرة قاضي القضاة" تعزيز شراكاتها التعاون مع المؤسسات القضائية والحقوقية الأخرى داخل الأردن وخارجه ، ما يتيح تبادل الخبرات وصولاً لأفضل الممارسات في مجال العدالة الأسرية، والمساهمة في تطوير منظومة العدالة الشرعية على المستويين الإقليمي والدولي.
في الختام ، تبقى "دائرة قاضي القضاة" شريك فاعل في تحقيق التنمية المستدامة، نموذجاً يحتذى وصرحًا قضائيًا حيويًا يسعى باستمرار لتحقيق العدالة وتطبيق الشرع الحنيف بما يخدم مصلحة الفرد والمجتمع في الأردن ، متطلعين إلى المزيد من الإنجازات التي تعزز مكانتها كجهة رائدة في مجال العدالة الأسرية، وتساهم في بناء مجتمع أكثر استقرارًا وتماسكًا.
بقي ان اقول .. سماحة قاضي القضاة .. ومشايخنا الكرام : بوركتم وبورك هذا النهج القائم على ايمانكم أن العدالة ليست تطبيقا للنص القانوني فقط ، بل هي دفء يحافظ على تماسك الأسرة ، وأمان يحاكي وجدان الناس ، فانتم حصن للأسرة ، وبوصلة للسكينة، وشريك فاعل في منظومة الأمن المجتمعي.
مُتمنين لكم كل التوفيق والنجاح ، فانتم تستحقون المكانة التي اوليتم اياها ، وكلنا ثقة بإذن الله تعالى أنكم لن تدخروا أي جهد ممكن لخدمة قطاع القضاء الشرعي وأنكم قادرون على المزيد من العطاء بعون الله تعالى ، وبكل همة ومسؤولية ..
فسيروا على بركة الله ، والشكر كل الشكر على وقتكم وجهودكم ، ولكم منا ومن كل ابناء الوطن التحية والتقدير والإحترام .
والله ولي التوفيق