لا صوت يعلو على أنين الجوع
فيصل تايه
28-07-2025 12:13 PM
ولا صوت يعلو على أنين الجوع، ولا صراخ يُسمع سوى بكاء الأمهات فوق أجساد أطفالهن النحيلة التي ذبلت أمام أعينهن بلا حول ولا قوة ، فالحاصل يندى له الجبين، فما نراه بشكل يومي يؤكد فداحة ما يجري، والناس في غزة حسب مفوض الأونروا «ليسوا أمواتًا ولا أحياءً، إنهم جثثٌ تتحرك»، وأطفالٌ لا يموتون بالقنابل فقط، بل يموتون جوعًا، يموتون لأن “الكيان الغاصب” قرّر أن يمنع الحليب، ويحاصر الطحين، ويقطع الماء، ويجعل من لقمة العيش أداة قتل، تماماً كما تفعل بالصواريخ والقنابل الفوسفورية.
تجويعٍ ممنهج تُمارسه آلة الاحتلال بدم بارد، مئات الآلاف من العائلات تعيش تحت خط المجاعة ، حليب الأطفال مفقود، الطحين معدوم، والخضار والفاكهة باتت من الذكريات ، وتخرج الأمهات يومياً بأيدي مرتجفة يبحثن في الركام عما يمكن أن يُؤكل ، لا لأنهن فقراء، بل لأن “إسرائيل” قرّرت أن تُحاصرهم تدفعهم للموت البطيء ، والطفل في غزة لا ينام باكياً فقط، بل ينام وهو يحلم بكسرة خبز ، كثيرون لا يستيقظون من نومهم، لأن أجسادهم الضعيفة لم تقوَى على احتمال الجوع ، فمشاهد الأطفال المنتفخة بطونهم من سوء التغذية لم تعد نادرة، بل أصبحت أيقونة المرحلة.
لقد باتت غزة سجن جماعي يُمارس فيه الاحتلال الإبادة عبر التجويع، ويشاهد فيه العالم تلك الجريمة وكأنها خبر عابر على شاشة صامتة ، فأي عدالة في هذا العالم تقبل أن يُحاصر أكثر من مليون طفل؟ وأي قانون دولي لا يرى أن حرمان الناس من الغذاء والماء جريمة حرب؟ تلك مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني، وما يجري في غزة هو «انتهاك صارخ لكل القيم الإنسانية والشرائع الدولية» ، فلا شيء يبرر «انفجار الموت والدمار» في غزة، حسب غوتيريش، كما ولا شيء يبرر هذه السلبية عن التحرك لإنقاذ البشرية من هذا التآكل لقيمها إلا التنكر لكل الشعارات التي كانت تردَدْ خلال العقود الماضية عن حقوق الإنسان والحريات .
انه وفي ظل اختفاء الأصوات التي كانت تملأ المنصات ضجيجاً؟ لم تكن كل الشعوب سواء ، فمن بين كل هذا الركام، ونحن الاقرب ، ارتفع صوتنا ، صوت الاردن ، صوت الإنسانية، لنقف موقفاً مشرفاً رغم كل التحديات ، قررنا أن نقف موقفاً يمليه علينا ضميرنا الاخلاقي والانساني والعروبي ، قررنا أن نواجه ، أن ندافع عن غزة لا بالخطب الرنانة، بل بالفعل الجرئ والعمل المجدي النافع ، بمساعي اغاثية استثنائية من لدن قيادتنا الهاشمية وبموقف انساني شجاع من جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ، حيث أعلنها صريحة ، لن نقف مكتوفي الأيدي وأطفال غزة يموتون جوعاً ، لن نصمت على الحصار ، لن نغلق أعيننا عن المجاعة المفروضة على شعبٍ أعزل بل سنعمل بكل طاقتنا ، لكسر الحصار بالكامل عن غزة .
اليوم وفي الوقت الذي ارتفعت فيه اصوات الإدانات إلى أقصى حدود النفاق ، يستمر الاردن بتقديم هديته لكل دمعة، ومساعدته لكل اسرة ، ووعداً ثابتاً أن الاردن لن يتراجع، وانه ماض في عمليات الإغاثة الإنسانية ورفع الحصار، ووقف القتل، وكسر سلاح التجويع ، مع الرفض المطلق التعامل مع هذا الامر خارج إطار بعده الإنساني الإغاثي او إصدار ايه أحكام سياسية عليها ، وبغض النظر عن أية نقاشات سياسية ، مع المضي بالضغط باتجاه إزالة اية معيقات إسرائيلية تحول دون تحقيق ذلك .
إنها معركتنا الأخلاقية، وموقفنا فيها موقف إيماني ، بل هو فعل متصل بعلاقة وجودية، فالأردن لا يقبل مشاهدة الضيم الذي يلحق بالإخوة في غزة دون أن يكون له موقف مساند وثابث ، فنحن نرى في قضية فلسطين قضيتها الأولى وعمقنا ، وفي ثقافة شعبنا الاردني ان الوقوف مع أهلنا في غزة ليس خياراً، بل فرض عين وكرامة لا تُباع ولا تشترى ، فكلما اشتد الجوع في غزة، اشتد عزم الاردنيين ، وكلما صمت العالم، تكلمت ارادة شعبنا ومليكنا وارتفع صوته مناشداً العالم ، وكلما نزلت دمعة من عين طفل غزّي، اشتعلت في قلوبنا نيران الغضب، ومضينا في دربنا حتى كسر القيد وإسقاط الطغيان.
والله ولي الصابرين