facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




نحو قطاع عام أكثر مرونة


د. صالح سليم الحموري
29-07-2025 11:33 AM

في ورقته المفاهيمية الثرية، قدّم معالي وزير الدولة لتطوير القطاع العام في الأردن، خير الدين أبو صعاليك، تصورًا طموحًا لمسارات تحديث الإدارة العامة، واضعًا يده على جوهر التحدي: ضرورة الانتقال من نموذج إداري جامد إلى نموذج أكثر قدرة على الاستجابة والتطور.

وبالرغم من أن الورقة استخدمت مصطلح "المرونة"، إلا أنني أجد أن مصطلح "الرشاقة المؤسسية" أكثر دقة وملاءمة للسياق الراهن؛ إذ إن المرونة تُفهم غالبًا بوصفها قدرة على التكيف كرد فعل للتغيرات، في حين أن الرشاقة تمثل قدرة استباقية على قراءة التحولات، واستثمار الفرص، والتحرك بسرعة وفعالية قبل أن تُفرض التغيرات واقعًا .لكن، وبينما نثمّن هذا الطرح الرصين، فإن الواقع الذي نعيشه اليوم – بكل ما يحمله من تسارع تقني، وتحولات اقتصادية، وتبدلات مجتمعية – لا يمنحنا ترف الوقت ولا رفاهية التدرّج البطيء في الإصلاح.

لقد آن الأوان للانتقال من مرحلة "التطوير الحذر" إلى التحوّل الجذري… تحوّل يتجاوز تحسين الأداء إلى إعادة تعريفه، لا سيما في ملفين جوهريين: تصفير البيروقراطية، واستشراف المستقبل.

في عالم أصبحت فيه الحلول الحكومية تُستهلك وتُستبدل قبل أن تنضج، لم تعد البيروقراطية مجرّد مشكلة تنظيمية، بل تحوّلت إلى عبء تنموي يُعيق الابتكار ويستنزف الطاقات. ولم يعد مقبولًا أن تبقى الإجراءات غاية قائمة بذاتها؛ بل يجب أن تُختزل وتُؤتمت، لتصبح وسيلة ذكية وسريعة لخدمة الإنسان، لا حجر عثرة في طريقه.

تصفير البيروقراطية لا يعني فقط تقليص الإجراءات؛ بل هو ثورة إدارية شاملة تعني:

• إزالة التوقيعات الشكلية وغير الضرورية.

• إلغاء الوثائق الورقية المكرّرة التي ترهق المواطن والموظف معًا.

• إنهاء عصر "مرّ المعاملة من مكتب إلى آخر" بلا قيمة مضافة.

• وتبنّي أدوات ذكية قادرة على التنبؤ بالطلب قبل أن يُطلب، ومعالجته قبل أن يتحوّل إلى مشكلة.

إلى جانب ذلك، لا يمكن لأي مشروع تحديث أن ينجح دون تبنّي "منهج استشرافي في التفكير الحكومي" فالحكومات اليوم لم تعد تنتظر التحديات كي تتعامل معها، بل عليها أن تتوقعها، وتبتكر حلولها، وتستعد لها بمنطق المبادرة لا رد الفعل.

والسؤال الذي لا مفر منه: هل يمكن لإدارات صُمّمت بأدوات الأمس… أن تلبي احتياجات الغد؟

الإجابة واضحة: لا.

ولهذا، فإن بناء حكومة رشيقة يتطلّب:

1. التعجيل في تصفير البيروقراطية لا الاكتفاء بتخفيفها أو تدويرها.

2. التحول إلى خدمات استباقية، تُبنى على الذكاء الاصطناعي والتحليل العميق للبيانات.

3. تحرير الكفاءات الإدارية من قيود الإجراءات، وإعادة توجيهها نحو التأثير، والابتكار، وصناعة المستقبل.

وفي هذا السياق، نقترح أن يتم إصدار ورقة مفاهيمية دورية كل أسبوعين، تتناول أحد محاور التحديث الحكومي أو التحولات المستقبلية، على أن تُوزّع على جميع الوزارات، الأمناء العامين، ومدراء المؤسسات الحكومية.

يهدف هذا المقترح إلى نشر ثقافة التعلم المستمر، ومواكبة التطورات العالمية، وتوحيد الرؤية والمفاهيم على مستوى الحكومة، بما يعزّز من قدرة المؤسسات على التفاعل الجماعي مع التحديات، والتحرك في اتجاه استراتيجي مشترك نحو المستقبل.

فالتحوّل لا ينتظر… ومن لا يلحق بالمستقبل، سيتحوّل إلى ماضٍ في نظر الناس، حتى قبل أن يكتشف ذلك بنفسه.

* مستشار التدريب والتطوير / كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :