facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الديكابولس الأردنية .. حين ينبض التراث بالحياة وتتحوّل الآثار إلى منابر للفن


30-07-2025 02:20 AM

عمون - من رانا النمرات- في مشهدٍ تتعانق فيه أطلال التاريخ مع نبض الفن المعاصر، تشهد مدن الديكابولس الأردنية، وعلى رأسها جرش، حالة متجددة من التفاعل الحضاري، إذ تتقدّم إلى واجهة المشهد الثقافي بوصفها مراكز حية تستعيد دورها التاريخي كمحطات إشعاع فكري وعمراني.

ومن خلال مهرجان جرش للثقافة والفنون، وما يصاحبه من جهود أكاديمية ومجتمعية حثيثة، تُعاد قراءة الإرث المعماري والمعرفي لتلك المدن، في إطار يسعى إلى دمج الذاكرة الحضارية بالراهن الثقافي، وتحويل التراث إلى أداة للتنمية والهوية.

وفي هذا السياق، تعمل كلية الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة اليرموك، وكلية الآثار والسياحة في الجامعة الأردنية، ضمن رؤى علمية وتكامل مؤسسي، على إبراز القيمة التاريخية والثقافية لمدن الديكابولس، من خلال مشاريع ميدانية وبحثية مشتركة، تتناول التوثيق والترميم والتحليل الأثري، بهدف صون هذا الإرث الحضاري، وتعزيز دوره في ترسيخ الهوية الوطنية، وتفعيل مسارات التنمية الثقافية والسياحية المستدامة، وتقديمه بصورة تليق بمكانته في الوجدان الأردني والوعي الإقليمي والعالمي.

* جرش كمركز ثقافي متجدد وتأثيره الإقليمي

تواصل كلية الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة اليرموك تسليط الضوء على الروابط التاريخية والثقافية بين مهرجان جرش ومدن الديكابولس، التي شكّلت عبر العصور محطات حضارية عكست تفاعل الثقافات.

وأوضح الدكتور معن العموش، نائب عميد الكلية، أن انطلاقة المهرجان من داخل الحرم الجامعي كانت جزءًا من مشروع وطني لإعادة ربط التراث بالمشهد الفني المعاصر، لافتًا إلى أن جرش شكّلت فضاءً مثاليًا لاحتضان حدث ثقافي بات علامة إقليمية.

واختيار جرش مقرًا دائمًا للمهرجان يعود إلى غناها المعماري والحضاري، من الهلنستية إلى الإسلامية، وهو ما جعل منها منصة تجمع بين أصالة التاريخ وحداثة الإبداع. وبيّن العموش أن هذا النجاح انعكس أيضًا على مدن مثل أم قيس وبيلا، عبر تنشيط السياحة وتسليط الضوء على مواقع تاريخية كانت خارج دائرة الاهتمام، ما ساعد في كشف إمكانات اقتصادية وثقافية قابلة للتطوير.

* هوية معمارية وتحولات دينية عبر العصور

تتفرّد مدن الديكابولس، وعلى رأسها جرش، بخصائص معمارية بارزة، مثل شارع الأعمدة، والمسرحين الشمالي والجنوبي، ومعبد أرتميس، إلى جانب البنى التحتية المتقدمة. أما أم قيس، فتميّزها صخور البازلت وموقعها المطل على بحيرة طبريا، وتضم مسرحًا غربيًا وكنائس بيزنطية. بينما تحتضن بيلا مزيجًا معماريًا يعكس تراكب العصور وتواصلها الحضاري.

وأوضح العموش أن هذه المدن تُعد بيئة خصبة لفهم التحولات الفكرية والدينية، بدءًا من الوثنية ومرورًا بالمسيحية، وانتهاءً بالإسلام، وهو ما يعزّز فهم الأنماط الثقافية والاجتماعية. وأشار إلى اكتشافات أثرية مهمة، منها فسيفساء بيزنطية في جرش، ونظم مائية معقدة في أم قيس، ومشاريع ترميم في بيلا أثرت الأبحاث العلمية محليًا ودوليًا.

* تحديات الحفظ ودور التقنية والمجتمع المحلي

رغم النجاحات، لا تزال هناك تحديات تعرقل صون هذا الإرث، أبرزها ضعف التمويل، التوسع العمراني العشوائي، وبعض الممارسات السياحية غير المستدامة. لكن بالمقابل، هناك تعاون أكاديمي دولي أفرز مشاريع رائدة في المسح الأثري والتحليل والترميم.

وتستخدم جامعة اليرموك تقنيات حديثة، أبرزها نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، والطائرات المسيّرة، والتصوير ثلاثي الأبعاد، إلى جانب الرادار الأرضي، بما يسهم في رفع جودة التوثيق. كما تحرص الكلية على إشراك الطلبة ميدانيًا، خاصة في مواقع مثل قويلبه وأم قيس، لإعداد كوادر وطنية قادرة على حماية التراث.

وفي ختام حديثه، شدّد العموش على أن حماية التراث لا تكتمل دون شراكة المجتمع المحلي، حيث تنظم الكلية ورشات ومحاضرات لتعزيز الوعي والانخراط في جهود الحماية. كما باتت المتاحف والمبادرات الثقافية وسائل فاعلة في تبسيط المعرفة وتحويل التراث إلى مورد تعليمي وسياحي يخدم الأجيال القادمة.

وفي هذا السياق، قال الدكتور إسلام العثامنة من كلية الآثار والسياحة في الجامعة الأردنية، إن مدن الديكابولس تُجسّد إحدى أبرز النماذج التاريخية التي توثّق لحظات تفاعل وتكامل حضاري شهدته بلاد الشام، مشيرًا إلى أن هذه المدن لم تكن مجرد مراكز سكنية، بل فضاءات ثقافية واجتماعية واقتصادية ساهمت في صياغة المشهد الحضاري للمنطقة.

*منشأ التسمية والموقع الجغرافي

وأوضح العثامنة أن مصطلح "ديكابولس" مشتق من اللغة اليونانية ويعني "عشر مدن"، وقد ورد ذكره في كتابات بليني الأكبر خلال القرن الأول الميلادي. وأشار إلى أن هذه المدن لم تكن مرتبطة بتحالف سياسي أو كيان إداري رسمي، بل تكوّن التجمع بوصفه تشكيلًا جغرافيًا وثقافيًا غير رسمي، تميّز بتقارب نمط الحياة وتجانس المعمار والتقاليد الثقافية.

وبيّن أن عدد هذه المدن لم يكن ثابتًا على مدى التاريخ؛ فبينما أشار بليني إلى عشر مدن، أضاف بطليموس في القرن الثاني الميلادي تسع مدن أخرى إلى القائمة، فيما استخدم المؤرخ يوسيفوس المصطلح بشكل عام دون تحديد دقيق، ما يعكس رمزية العدد أكثر من دقته الحسابية.

وأشار إلى أن الغالبية الكبرى من مدن الديكابولس تقع ضمن حدود المملكة الأردنية الهاشمية حاليًا، ومن أبرزها: جرش (جراسا)، أم قيس (جدارا)، طبقة فحل (بيلا)، عمّان (فيلادلفيا)، وبيت رأس (كابتولياس). أما مدن أخرى مثل بيسان (سكيثوبوليس) فتقع غرب نهر الأردن، في حين أن دمشق وكناثا (قنوات) تقعان خارج الحدود السياسية الحديثة للأردن. وأضاف أن مواقع بعض المدن مثل ديون ورافانا ما تزال مثار جدل بين الباحثين والمؤرخين حتى اليوم.

* التحوّل الروماني ومرحلة الازدهار الحضاري

وأشار الدكتور العثامنة إلى أن الحملة التي قادها القائد الروماني بومبي في العام 63 قبل الميلاد شكّلت نقطة تحوّل رئيسية في تاريخ مدن الديكابولس، حيث تم ضمّها إداريًا إلى المقاطعة السورية التابعة للإمبراطورية الرومانية، وهو ما أتاح لها فرصة لإعادة إحياء الطابع الهلنستي الذي كان قد بدأ بالاضمحلال.

وأوضح أن هذا الدمج الإداري لم يكن مجرد توسع روماني، بل ترافقت معه سياسات شجّعت على إبراز المظاهر الثقافية والعمرانية ذات الطابع اليوناني، كوسيلة لتعزيز السيطرة الإمبراطورية على المنطقة، إلى جانب دعم التماسك الاجتماعي في هذه المدن.

ولفت العثامنة إلى أن المجتمع المحلي في تلك المدن لم يكن متلقّياً سلبياً للثقافة الرومانية، بل كان فاعلًا ومنتجًا لها. ففي مدينة جدارا (أم قيس) برزت أسماء لامعة في الفلسفة والأدب مثل فيلوديموس وثيودوروس، في حين اشتهرت مدينة جرش (جراسا) بالعالم نيقوماخوس الجرشي، أحد أعلام الرياضيات والفلسفة في العصر الكلاسيكي.

وأضاف أن هذا التفاعل بين الثقافات الوافدة والمجتمعات المحلية رسّخ دور مدن الديكابولس كمراكز فكرية واقتصادية نشطة، وليس فقط كمواقع ضمن مشروع توسعي روماني.

* البنية المعمارية وتنوّع الوظائف الحضرية

وأوضح الدكتور العثامنة أن الطابع المعماري في مدن الديكابولس اتخذ في معظمه النمط الروماني-اليوناني، إلا أن هناك فروقات واضحة بين المدن تبعًا للمواد المحلية المستخدمة والوظائف التي أدتها كل مدينة.

فمدينة جدارا، على سبيل المثال، تميّزت باستخدام الحجر البازلتي الأسود في مبانيها، ما يعكس تفرّدها الجغرافي والمناخي، في حين استخدمت مدينة جرش الحجر الكلسي الأبيض، ما منحها مظهرًا مغايرًا وجاذبًا من الناحية البصرية.

وأشار إلى تنوّع أدوار هذه المدن، حيث كانت جدارا مركزًا ثقافيًا وفكريًا احتضن عددًا من الشعراء والفلاسفة، بينما عُرفت بيت رأس بطابعها الزراعي، وكانت طبقة فحل (بيلا) محطة تجارية مهمة نظرًا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي على الطرق التجارية القديمة.

كما بيّن أن مدن الديكابولس لم تكن متساوية من حيث البنية التحتية، حيث ضمّت بعضها منشآت متقدمة مثل المسارح، الحمامات العامة، الأسواق، والمعابد، كما في جرش، في حين اكتفت مدن أخرى بتجمعات عمرانية بسيطة نسبيًا.

* العوامل الجغرافية ودورها في الازدهار

وأكد العثامنة أن الموقع الجغرافي لعب دورًا محوريًا في ازدهار مدن الديكابولس، حيث أنشئت معظم هذه المدن على تلال مرتفعة توفّر الحماية من الفيضانات والغزوات، وتحيط بها أراضٍ زراعية خصبة ساعدت في تأمين احتياجات السكان.

كما استفادت هذه المدن من مرور عدد من الطرق التجارية القديمة عبرها، ما عزز مكانتها الاقتصادية وجعلها نقاطًا حيوية على خريطة التبادل التجاري والثقافي في المشرق القديم.

* جهود الإحياء وتحديات راهنة

وفيما يتصل بالجهود المبذولة لإحياء هذا الإرث الحضاري، أشار العثامنة إلى مشاريع الترميم والصيانة التي تُنفّذ حاليًا، لا سيما في مدينة جرش، إلى جانب تنظيم مهرجان جرش للثقافة والفنون بشكل سنوي، والذي يسهم في إعادة ربط الجمهور المحلي والعالمي بتاريخ المدينة وحضارتها.

وأكد الدكتور إسلام العثامنة أهمية تعزيز الترويج السياحي للمواقع الأثرية المحلية، مشيرًا إلى ضرورة دعم السياحة الداخلية وتشجيع المواطنين على زيارة هذه الأماكن والتعرف على قيمتها التاريخية والثقافية.

ورغم الجهود المبذولة، شدد على وجود تحديات ما تزال تعيق تطوير هذه المواقع بالشكل الأمثل، أبرزها ضعف التمويل، وقلة البنية التحتية والخدمات السياحية، إلى جانب الحاجة لمزيد من التوعية المجتمعية بأهمية المواقع الأثرية.

وأوضح العثامنة أن التركيز على السياحة الأجنبية يظل مهمًا، إلا أن تعزيز زيارات المواطنين يشكل محورًا أساسيًا في تحقيق تنمية سياحية مستدامة، لافتًا إلى مؤشرات إيجابية تعكس تنامي الوعي المحلي بأهمية هذه المواقع خلال السنوات الأخيرة.

* أهمية تاريخية متجددة

وختم الدكتور إسلام العثامنة حديثه بالتأكيد على أن دراسة مدن الديكابولس تُتيح فهمًا أعمق لتاريخ بلاد الشام، من حيث تطور الفكر والعمران والتجارة، إضافة إلى تفاعل الشعوب مع الإمبراطوريات الكبرى التي مرّت على المنطقة.

وشدد على أن هذه المدن لا تمثل فقط أطلالًا من الماضي، بل مرآة تعكس قدرة المجتمعات على التكيّف والانخراط في الحضارة، دون أن تفقد هويتها الخاصة، داعيًا إلى مواصلة دعم البحث العلمي والمبادرات المجتمعية التي تسهم في صون هذا الإرث الحضاري الثري.

"بترا - رانا النمرات"





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :