السردية الوطنية ليست لجنةً تُشكّل على الهوى
أ.د سلطان المعاني
31-07-2025 08:38 AM
لا أعرف كيف تم اختيار أعضاء اللجنة التي ستتولى سرد حكايتنا الوطنية، ولا الجهة التي شكلتها ودعت إليها، لكنني أعرف جيداً أنه ليس من حق أحد أن يختصر السردية الأردنية التي تخصنا جميعًا في مجموعة واحدة من الأسماء، مهما عظمت مكانتهم وتجلت قيمتهم. سرديتنا أكبر من أن تُختزل، وأوسع من أن تُحصر في اتجاه فكري واحد، أو ضمن حقل واحد من حقول المعرفة أو الإبداع.
الذين شكّلوا اللجنة - وبالتأكيد لهم كل الاحترام والتقدير - ربما أغفلوا أن للأردن أكثر من زاوية، وأكثر من حكاية، وأكثر من ذاكرة، وربما لم يعرفوا أن هناك من عاش عمره كاملًا يحفر في سردية الوطن من جوانب مختلفة وموازية لما قد يرونه، ولا يعني هذا أن ما قاموا به ليس جهدًا محمودًا، لكنه بالتأكيد لا يمثلنا جميعًا.
عرفتُ بالأمر أمس الأول، وشعرت بحزن عميق؛ لا لأنني لم أُدعَ إلى المشاركة، بل لأن آلية الدعوة كانت مخيّبة للأمل؛ فليس من اللياقة أن يُترك جانب مهم وعميق من السردية الوطنية مثل "السردية المكانية"، التي كانت أطروحتي للدكتوراه، والتي أمضيتُ حياتي كلها أكتب عنها وأحاور الناس حولها وأوثقها في كتاباتي، وفي برنامجي الإذاعي "ذاكرة المكان" الذي قدمته لسنوات طويلة عبر إذاعتنا الأردنية.
هذا ليس احتجاجًا ولا استجداءً لدعوة؛ إنها إشارة واضحة إلى أن السردية الوطنية الأردنية لا تقبل الإقصاء، ولا تحتمل النسيان، ولا تستحق التجاهل أو الاختزال. لكل منا فيها نصيب، ولكل حجرٍ فيها ذاكرةٌ، ولكل موقعٍ فيها حكايةٌ تُروى.
ربما ما غاب عن بال الذين شكّلوا اللجنة، هو أن السردية الوطنية ليست ملكًا لأحد، ولا حقلاً ضيقًا يمكن زراعته بفكر واحد أو رأي واحد، إنها سرديتي وسرديتك، وهي سردية الأرض التي تحضننا جميعًا. الأرض التي نحب، والتي تعبنا لأجلها وأفنينا سنوات العمر في قراءة تاريخها وكتابة حاضرها واستشراف مستقبلها.
أقول ذلك بوضوحٍ وبصدق: لا يصحّ أن تُشكّل لجنة السردية الوطنية على الهوى، فالذاكرة الأردنية أوسع من أي لجنة، وأعمق من أن تُختزل في اختيار عابر، وهي إرث مشترك ومسؤولية وطنية أكبر من أي فرد أو جماعة أو اتجاه.