الأردن عرين الرجولة وسرجُ الكرامة
أ.د سلطان المعاني
04-08-2025 12:07 PM
سَوَّدَ اللهُ فَالَكم، كلمة نطلقها في وجوه أولئك الذين احترفوا تدبير الشر في عتمة السرائر، وامتهنوا خبث النوايا واحتراف الحسد، فأصبحوا أقزاماً في أخلاقهم، عيِيّة ألسنتهم، ضيّقة صدورهم، لا يُنتظر منهم نصح ولا تُؤخذ عنهم مشورة. أولئك الذين شُحِنوا بالدناءة حتى انفلتت أيديهم على الوطن، فلم ينالوا إلا الخيبة والخذلان، وتكسرت نصالهم على صخرة الشرف الأردني.
فلينظر هؤلاء إلى النور الساطع في فعل أبناء الأردن، ذلك النور الذي لا ينطفئ حتى في أحلك المحن. ولعلهم يُبصرون كيف يتسابق الأردنيون، شعباً وجيشاً ومؤسسات وعرشاً، إلى جبر الخواطر، وإغاثة الملهوف، وبذل الكرامة عطاءً يروي الظمآن ويعيد الأمل إلى نفوس المنكوبين. أما أنتم يا أصحاب الظلام، يا من في قلوبكم دخنٌ على الوطن، لا تعنيكم غزة ولا يهمكم جرحها، فأنتم مشغولون بتسعير فتنتكم وبث أحقادكم، لكن الأردن لم يضعف ولن يلين، بقيَ عصيّاً على كل هيزعياتكم ومسمياتكم الرثة، عصياً على الكسر والاختراق، وطنٌ لم يعرف إلا الارتفاع فوق جراحه، والسمو فوق الطعنات.
نحن، الأردنيون، أبناء العروبة الأصيلة، لم نترك الملهوف وحده يوماً، ولم نبخل عليه بدمٍ ولا عرق، ولم نساوم على الكرامة يوماً ولا على المروءة ساعة. عرشُنا هاشميٌّ سليل المجد والنبوة، وجيشُنا حامي الكرامة، وأرضُنا قلعة للخُلق والخيمة للعابرين والمنكوبين، نبني في وجه الريح، ونشعل القناديل في ليالي الشدّة، ونحفظ العهد لمن جار عليه الزمان.
فليبقَ الحاسدون في منفاهم المظلم، وليتجرعوا مرارة النبذ وذل الخيبة؛ فالنور لا يختلط بالعتمة، والكرامة لا تُساكن الدناءة، ولن يُفلح من سعى في ظلام الحقد أن يطمس نور الفعل الأردني. نحن النور وأنتم الظلمة، فكيف يستويان؟ بقي الأردن شامخاً، يسدد خطاه نحو الحق، متمنطقاً بالعزة، محوطاً بالوفاء، متوجاً بالمجد، وكلما زادت سُحب الحقد تهاطلت فوقه، ازداد تلألؤاً وصموداً.
خاب فأل الحاقدين والمتآمرين، وتكسرت رماحهم على صخرة الأردن، وبقيت أيادي الأردنيين البيضاء ترفع الراية وتُضمّد الجراح، وسيظل الوطن أكبر من كل محاولاتكم، وأطهر من كل أحقادكم. فابقوا في غياهب عتمتكم، أما النور فهو لنا، والعز لنا، والمجد لنا، وإنا لصادقون.
وسيبقى الأردن عرينَ الرجولة وسُرُجَ الكرامة، لا يثلم مجده ناعق، ولا ينال من كبريائه عابر ليلٍ أو متسلق عتمة. في كل شبرٍ من ترابه حكاية بطولةٍ وسجّلُ فداءٍ، وفي كل قلبٍ من أبنائه ينبض الولاء والفخر. يُقيم الأردنيون ممالك العزة على خرائب الحقد، ويبنون فوق الرمال حصونَ الوفاء، لا تلين عزيمتهم أمام المحن، ولا تهتز قناعاتهم أمام عواء الخاسئين. يصونون العهد، ويضربون الأمثال في الشهامة، يمدّون أيديهم بيضاء لكل ملهوف، ويتركون للحاسدين شوكَ الطريق وعتمة الضمير.
أما أولئك الذين اختاروا الانزواء خلف جدران الضغينة، فمصيرهم النسيان، وسيرتهم الذلّ والانكسار. تلتهمهم خيباتهم وهم يتفرجون على صروح العزة تُشيّد من حولهم، فلا نصيب لهم إلا التربص والهوان. يُقلّبون وجوههم في ليلهم البهيم، يحسبون كل صيحةٍ عليهم، ويتوارون عن مشهد النهار، خائفين من وهج الحقيقة وسطوة العدل، عاجزين عن ملامسة نور الشرف ولو أشرعوا أبوابهم كلها للريح.
إن الأردن باقٍ فوق هام السحب، لا ينال من سؤدده خذلان، ولا يحني جبهته إلا للخالق، صلبٌ في العواصف، ثابتٌ في المبادئ، وفي الملمات يتقدّم الصفوف، يمسح دمع المكلوم، ويسند ظهر المنكوب. قدَرُه أن يكون في قلب الصدارة، وفي يمينه شعلة الوفاء، لا يخونه تاريخه ولا تخيب رجاؤه أرضه. فليبقَ الخاسئون في ظلماتهم يتخبطون، أما الأردن فقد اختار النور طريقاً، والشرف زاداً، والعروبة هوية لا يمسها دخن ولا يخدشها خائن.