لعل من أبرز مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية كان الدفع باتجاه تشكيل كتل نيابية حزبية ذات طابع برامجي، تلك التي تعمل على تقديم رؤى واضحة ومتكاملة للحكومة وتسهم في صياغة مفهوم موحد للمصلحة الوطنية. الهدف لم يكن فقط تحسين آليات التشريع والرقابة، بل الارتقاء بالعمل النيابي ليكون شريكاً فاعلاً في تطوير القطاعات المختلفة بما يخدم مصلحة الوطن ويرفع من مستوى معيشة المواطن.
لكن ما نتابعه اليوم من مشهد نيابي يشي بأن هذا الهدف لا يزال بعيداً، إذ تتصدر الأخبار المتعلقة باستحقاق انتخابات المكتب الدائم لمجلس النواب المشهد وكأننا نعود إلى نقطة الصفر، وكما في المثل الشعبي: “كانك يا ابو زيد ما غزيت”، فاجتماعات الكتل الحزبية باتت تدور بشكل أساسي حول الانتخابات الداخلية للمجلس متجاهلة إلى حد كبير جوهر الدور المطلوب منها في هذه المرحلة التحولية.
ولكن وحتى نكون منصفين، لا يمكن إنكار وجود بعض التحركات المتواضعة من قبل عدد من الكتل الحزبية في بعض القطاعات، لكنها لا ترتقي إلى مستوى الطموح الذي بنيت عليه الفكرة، فقد كان من المأمول أن تتبلور حكومات ظل حزبية تتابع أداء السلطة التنفيذية عن كثب وتفرض رقابة مسؤولة ومستمرة وتطرح بدائل واقعية ومقترحات عملية.
وبالرغم هذا الفتور في الأداء تبقى الكرة في ملعب مجلس النواب، حيث ما تزال أمامه ثلاث دورات عادية ضمن مدته الدستورية وهي فرصة حقيقية يمكن استثمارها في تفعيل العمل البرامجي للكتل ورفع مستواها السياسي والرقابي، وبما يعزز الثقة الشعبية في التجربة الحزبية ويؤكد أن تخصيص مقاعد نيابية للأحزاب كان خطوة صحيحة وفي الاتجاه المطلوب، إضافةً الى أن الارتقاء بأداء الكتل سيكون بمثابة رسالة مباشرة للشباب بأن المشاركة الحزبية ليست ترفاً سياسياً بل وسيلة فاعلة ومؤثرة للتغيير والبناء.