facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الهوية الغذائية الأردنية


إبراهيم غرايبة
05-08-2025 12:33 PM

تقدم دراسة "الفلاحون والبدو في الأردن: دراسة إثنوغرافية في الهوية الغذائية"، تأليف: كارول بالمر (تعريب: عفاف زيادة مؤسسة أهلنا للعمل الاجتماعي والثقافي، 2008) عرضا لطرق الغذاء التقليدية في الأردن (وبلاد الشام بطبيعة الحال) لغايات الطعام والمؤونة، وبخاصة منتجات القمح والحليب، انطلاقا من أن الغذاء مكون مهم في الثقافة الإنسانية، ليس كمصدر للتغذية فحسب، وإنما يسهم في توطيد الروابط الاجتماعية، وتعمل الأغذية على تحديد الهوية، وتؤكد أوجه التباين والتمايز بين الجماعات، وتعبر عن العلاقات والتضامن والأعياد والمناسبات، والطبقية والاحتواء والإقصاء، والتعاملات.

يعد القمح المكون الأساسي للعديد من الأغذية التقليدية في الشرق الأدنى، وهو غذاء تتعدد استعمالاته، يطحن لصناعة الطحين (الدقيق) ليصنع منه الخبز بأنواع وصناعات متعددة، والحلويات المختلفة، ويسلق (سليق) ويحمص (القلية)، ويجرش (الجريش، والسميد، والبرغل) ويشوى بالنار (فريكة)، ويصنع من هذه الأنواع (الطحين، والجريش والبرغل والسميد والفريكة والسليق والقلية) سلسلة غير منتهية من الأطعمة والوجبات الغذائية، أو تدخل عنصرا رئيسا في الأطعمة المختلفة.

والعنصر الأساسي الآخر في المنظومة الغذائية هو الحليب ومشتقاته (الزبدة والسمن، واللبن الرائب، والجبن، واللبن المخيض أو الشنينة، واللبنة بأنواعها، والجميد، والقشدة) وبالمزج بين القمح والحليب ومشتقاته يمكن إنشاء مجموعة كبيرة من الأكلات والأغذية، مثل الرشوف، والبسيسة، والجعاجيل، والرقاقة، والزقاريط، والعصيدة، واللزاقيات، والفتة، والفطيرة، والمجللة، والمدقوقة، والهيطلية، والمفروكة، ومكسرة المعادد، والمكمورة، والمنسف، والثريد، والكشك، والكباب، والمقطوطة...

تقول المؤلفة إن الأردن جزء من الهلال الخصيب ذي الإرث الثري الموغل في القدم، يعبر عن ذلك إرثه الغذائي على نحو جلي، فقد بدأت زراعة القمح والشعير في هذه المنطقة منذ حوالي عشرة آلاف عام، تبعها تدجين الحيوان في وقت ليس بعد ذلك ببعيد، ولما كان كرم الوفادة الأردني لا يضاهى، ويدركه ماثلا كل من حل بالأردن، ولكن التحولات الكبرى التي حلت بالأردن ألحقت تغييرا كبيرا بالغذاء التقليدي، وتناقص عدد العارفين بطرائق إعداده، ولحق ذلك بالروابط والأعمال الثقافية والاجتماعية، مثل الولائم واحتفالات الزفاف، فإنها (المؤلفة) ترى أهمية خاصة لدراستها التي أعدتها لتوثيق الغذاء في الأردن، وتحفيز القراء جميعهم لتسجيل طرائق إعداد الغذاء في الأردن، وبخاصة أنها على درجة بالغة التعدد والتعقيد والاختلاف، ويمكن بذلك تطوير الأغذية المحلية الصحية، والسائغة المذاق، والمطهوة وئيدا، والرفيقة بالبيئة.

وبالطبع، وكما تلاحظ المؤلفة، ثمة فروق وتعددية واسعة في صناعة الغذاء في الأردن، وإن كان يعتمد أساسا على الحبوب ومنتجات الحليب، حسب الاختلاف في طبيعة الحياة (بدو وفلاحون) وتختلف أيضا من منطقة إلى أخرى، ومن عائلة إلى أخرى، حسب أساليب الحياة والموارد والمستوى الاقتصادي والعلاقات والتواصل مع ثقافات وبلدان أخرى، وهذا يمنح الغذاء الأردني ثراء وعمقا كبيرين، وتقول المؤلفة إن شمال الأردن وهو جزء من حوران كان يزود دمشق في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بالقمح، وبعد إنشاء سكة حديد الحجاز صدر شمال الأردن فائض الإنتاج إلى أوروبا عبر السكة التي ربطته بشمال فلسطين وميناء حيفا.

القمح القاسي والشعير هما محصولا الحبوب الرئيسيان، ولم يعد الشعير غذاء بشريا كما في كان في السابق، وكانت الذرة أيضا مصدرا غذائيا، وكذلك السمح، وهو نبات بري تطحن حبوبه دقيقا أو جريشا.

كان السكان ينتجون القمح أو يشترونه، ويخزنونه في كواير (جمع كوارة)، وهي خزانة تبنى من الطين، وكان القمح يعالج بصيغ متعددة، أولها الطحين أو الدقيق، حيث يطحن في مطحنة تدار بالمياه، ثم استخدمت الموتورات الحديثة لتشغيلها، وكان يطحن فيها أيضا الذرة وقصب السكر والكركم والأرز والحمص والعدس والحناء والكبريت وخامات المعادن.

وهناك طاحون الرحى أو الجاروشة في منازل البدو والفلاحين، وكانت تقطع من حجر الغرانيت أو الحجر الرملي، وتحرك يدويا لجرش الحبوب، وكان الفلاحون في الشمال يغربلون القمح قبل طحنه، وينظفونه تماما، وبعضهم يكرر الطحن مرتين للحصول على طحين ناعم.

الفلاحون يعتمدون أكثر على الطاحونة المائية، ولا يلجأون إلى الطاحونة اليدوية إلا في حالات الطوارئ، ولكن البدو يعتمدون عليها بشكل رئيسي، والبدو بعامة أقل استهلاكا للخبز من الفلاحين، وتستخدم الطاحونة اليدوية (الرحى) في الشمال لطحن العدس والكرسنة.
ويشكل الخبز المادة الرئيسية لاستهلاك القمح حاليا، ولكن حبوب القمح كانت ذات أهمية غذائية واسعة، وفي الشمال كان معدل استهلاك البرغل للفرد الواحد يساوي 50–75 كيلوغرما سنويا، ولكن في الجنوب تشكل الجريشة أساس الغذاء لصنع العصيدة والثريد.

ويأتي بعد الخبز من منتجات القمح "الفريكة" وهي ذات قيمة عالية، وتباع في المدن بثمن أعلى، وهي طعام مألوف في القرية والمدينة، وهي قمح يشوى يحصد في ما بين مرحلتي اللبن والنضج التام.

وينتج من القمح أيضا القلية، وهي حبوب قمح ناضجة تحمص، ويمكن أن تخلط بالسكر، وتقدم إلى الأطفال كوجبة خفيفة، وينتج أيضا البرغل، ويجري إعداده بسلق حبوب القمح، ثم تبريدها وتجفيفها، ثم جرشها وغربلتها، ويسمى المجروش منه جرشا ناعما "سميد" ويدخل في إعداد كثير من الأطعمة والحلويات، مثل المفتول.

ويمكن أن يسلق القمح، ويقدم "سليق" كوجبة ثانوية، ويمكن أن يمزج بالزبدة أو السمن، ويقدم إلى الأطفال مع السكر كوجبة سائغة المذاق.

الحليب ومشتقاته (معالجة الحليب)

يشكل الحليب المادة الغذائية الرئيسية إلى جانب/ بعد القمح في الأردن، ويمثل عنصرا أساسيا في الهوية الغذائية الأردنية، ويشرب الحليب دافئا ومحلى في وجبة الفطور، ويفضله الأطفال عادة، ولكن النسبة الأكبر من الاستهلاك للحليب معالجا، إذ يخضع إلى سلسلة من التحولات.

يخثر الحليب أو يروب، فيتحول إلى لبن رائب أو "غبيب" ويمكن أن يخلط الرائب بالبرغل لصنع الكشك، أو يصفى لبنة، وفي سلسلة أخرى من المعالجة يوضع في سقاء جلدي "شكوة" ويخض فيحول إلى لبن منزوع الدسم "شنينة أو مخيض" وتفصل عنه الزبدة، وتحول إلى سمن، وقشطة، وأما اللبن فيصفى ويحول إلى لبنة، أو يضاف إليه الملح ويجفف لصنع الجميد، ويمكن أن يخلط كما الرائب بالبرغل لصنع الكشك، ويمكن أيضا تحويل الحليب إلى جبنة، وفي الشمال يضاف إلى السمن بعض أنواع من النبات مثل الفيجن، وفي الشوبك يضاف الحندقوق، ويمنحه ذلك نكهة مميزة، وتضاف أيضا منكهات أخرى، مثل البابونج البري، والحلبة، والشيح، ويلون السمن عادة بتوابل كالعصفر والكركم، ويخزن في عكاك من الجلد، وهو الأغلى ثمنا في منتجات الحليب.

وفي المزج بين الحليب ومشتقاته والحبوب يمكن إنتاج عدد كبير من الأطعمة، مثل "المردودة"، وهي جريشة تسلق بالماء ويضاف إليها السمن، و"الهيطلية"، وهي حليب وطحين، ويضاف إليهما السكر والسمن، و"المجللة" وهي فتة من خبز غير مختمر (عويص) يفت وينقع في اللبن، ويضاف إليه السمن، و"البسيسة"، وهي سمن دافئ، يلت بدقيق القمح والسكر أو العسل، و"البكيلة"، وهي فريكة مع السمن والخروب والحليب، و"الجعاجيل"، وهي خليط من دقيق القمح والبيض والعدس والبصل وأوراق الجعدة، ويسوى الخليط كرات تطهى في اللبن، و"الرشوف"، وهو فريكة أو جريشة مع العدس واللبن أو الحميد، و"الرقاقة"، وهي عجين يعد طوليا كالمعكرون، ويطهى في الماء ويمزج بالسمن، و"الزقاريط"، وهي برغل ناعم يفرك جيدا، ويضاف إليه قطع من البصل وزيت الزيتون، ويسوى كرات تطهى باللبن، و"المكمورة"، وهي طبقات من عجين الخبز، بتخللها اللحم والبصل المقلي في السمنة أو في زيت الزيتون، توضع في وعاء يسد بالعجين، وتجعل في صرة قماش، وتدوَر على جانب الطابون منذ الصباح إلى المساء حتى تنضج تماما.

وتنشأ حول الأطعمة منظومة اجتماعية وثقافية قائمة على الضيافة والكرم والتضامن، واحترام الخبز لدرجة التقديس، فيحفظ في سجادة الصلاة، ولا يسمح بسقوط أي فتات منه، وإذا عثر على كسرة ملقاة تلتقط وتبارك وتوضع في مكان عال حتى لا تداس.

ويمنح أسلوب الطعام هوية وتمايزا بين الفلاحين والبدو وبين المناطق، فالفلاحون أكثر استهلاكا للخبز، ويعتمدون على البقر ولا يكادون يعرفون الإبل، بعكس البدو الذين تمثل الإبل الجزء الرئيسي من الثروة والجاه ويليها الغنم.

وبالطبع فإن التحولات الاقتصادية الكبرى غيرت جذريا في أساليب الحياة والغذاء، فصار الناس يعتمدون على السوق أكثر من محاصيلهم الخاصة، ويغلب على الناس في القرى اليوم شراء الخبز بدلا من إعداده في المنازل، ويحل زيت الزيتون محل السمن في الطعام، وتوسع الناس في زراعة الزيتون أكثر من قبل، وتراجعت حد التلاشي اقتصاديات وأعمال المؤونة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :