facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حين نبحث عن المستقبل في مرايا الماضي


د. صالح سليم الحموري
06-08-2025 02:20 AM

في زمنٍ تتسارع فيه المتغيرات، يغدو "استشراف المستقبل" علمًا وفنًا، لكنه قد يتحوّل إلى خطرٍ كبير إذا أُسند إلى غير أهله.

كثيرون، حين يبحثون عن مستقبل مهنة أو قطاع، سواء في المجال الحكومي أو الخاص، يتوجهون مباشرة إلى أهل الاختصاص. فيسألون الطبيب عن مستقبل الطب، والمعلم عن مستقبل التعليم، والمهندس عن مستقبل التكنولوجيا. وعلى أهمية هذه الأصوات، إلا أن الاعتماد الحصري عليها قد يقودنا إلى ما يُعرف بـ "الجهل المُكتسب".
نعم، الجهل المُكتسب!.

ذاك النوع من الجهل الذي لا ينشأ من نقص في المعرفة، بل من الركون إلى معرفة منتهية الصلاحية، ومن تصوّرات شكلتها التجربة اليومية لا الرؤية المستقبلية. فالطبيب، في غالب الأحيان، يرى المهنة كما عاشها، لا كما قد تصبح. والمعلم يتحدث عن المدرسة كما درّس فيها، لا كما يُعاد تصميمها في مختبرات الذكاء الاصطناعي والتعليم التكيّفي.
المهنيّ يرى العالم من نافذته… نافذة التخصص، لا من شرفةٍ تطل على التحولات الكبرى التي تعيد رسم حدود المهن، وتعيد تعريف الأدوار.

إذا أردت أن تعرف مستقبل الطب، فلا تكتفِ بسؤال الطبيب الذي يعالج بالطرق التقليدية يوميًا، بل اسأل أيضًا "عالم البيانات"، و"مهندس الذكاء الاصطناعي"، والباحث في "البيولوجيا الجزيئية". فهم من يصمم اليوم خوارزميات تشخيص تفوق قدرات الإنسان، ويعيدون رسم خريطة التخصصات الطبية.

وإن أردت أن تعرف مستقبل التعليم، فلا تحصر نفسك في قاعات الدرس، بل أنظر إلى روّاد منصات التعليم المفتوح، ومبتكري الواقع الافتراضي، ومصممي الألعاب التعليمية. فالمستقبل لا يُبنى على ما اعتدناه، بل على ما لم نعتد التفكير فيه بعد.

الخبراء أحيانًا يحمون المهنة من التغيير، دون قصد بحكم التعود، والخبرة المتراكمة، والخوف من المجهول، يصبح بعضهم سجناء لما يعرفونه، ويُغلقون آذانهم عن كل ما لا يُشبه ممارساتهم. في هذه الحالة، يصبح رأيهم حول المستقبل أقرب إلى تثبيت الحاضر منه إلى استشراف القادم.

في مواجهة الجهل المُكتسب، لا بد من تكوين فِرق متعددة التخصصات، تضم الممارسين والمفكرين والمصممين والمجانين الجميلين، من يرون ما لا يُرى، ويسألون ما لا يُسأل
نحن بحاجة إلى "جماعة المتسائلين". فهم فقط من يملكون مفاتيح الأسئلة العظيمة:

• ماذا لو استُبدلت نصف المهن البشرية خلال 10 سنوات؟
• ماذا لو لم يعد للطبيب أو المعلم دور مباشر في التفاعل مع البشر؟
• ماذا لو أصبح التعلّم شيئًا يُبنى داخل الدماغ باستخدام واجهات ذكية، لا على مقاعد المدارس؟

الجهل لا يأتي فقط من غياب السؤال، بل أحيانًا من سؤال الشخص الخطأ.

فعندما تسأل من عاش في نظامٍ معيّن عن نهايته، قد يحدثك عن طرائق الترميم، لا عن احتمالات الانهيار. يراكب التفاصيل، ويغفل الزلازل. نادرًا ما يتخيّل أن ما اعتاد عليه قد يصبح ذات يوم من الماضي.

لذا، إن أردت أن ترى المستقبل كما هو، لا كما نُحب أن نراه أو كما ألفناه… فلا تكتفِ بمن عاش الماضي، بل ابحث عن أولئك الذين يجرؤون على تخيّل ما لم يُعش بعد. من يملكون صورًا مستقبلية لا تزال قيد التشكل، ونماذج لا ترتبط بماضٍ أو حاضر، بل تنبثق من إيمانهم بأن القادم مختلف… تمامًا.

*صالح سليم الحموري
مستشار التدريب والتطوير
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :