facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قلت لحالي


د. صبري ربيحات
22-08-2025 04:25 PM

كان لي قريب يمضي غالبية وقته وحيدا وما ان نتوقف عند مكان اقامته حتى ينهض ليعد لنا الشاي ويستهل حديثه بالقول والله كنت نايم بعدين صحيت وقلت لحالي فيستطرد في حديث متشعب لساعة او اكثر ليقول كل ما يريد دون أن يجرؤ أحدا منا على مقاطعته.

كان يقول كل شيء بلغة عالية الرمزية احيانا ومباشرة جدا في احيان أخرى. كنت لا افهم تماما اذا كان الحوار مع ذاته ام انه فصم نفسه أنيا ليقول لنا ما قد لا نقوى على تحمله لو كان مباشرا. قبل سنوات رحل قريبي عن الدنيا لكن اسلوب حديثه بقي اثرا نتذكره موضوعا وتفاصيل.

بالرغم من حفاوات الأستقبال وحرارة الترحيب والصخب الذي نشهده في المناسبات الاجتماعية واللقاءات العامة وحتى في المحادثات التيلفونية العابرة الا ان الكثيرين منا لا يعلقون أهمية على ما يدور ولا يأخذون ما يقال على محمل الجد.

في ثقافتنا يجيد الكبار والصغار المجاملة والمسايرات للحد الذي يجعلك تشعر بانك تعيش في مجتمع مثالي تسكنه ملائكة.

ما ان يتقابل عدد من الأشخاص حتى يصافح الجميع بعضهم البعض وتبدأ جولات التقبيل للوجوه والايادي والرؤوس لمن يعرفون بعضهم ولمن لا يعرفه المستقبل ولا الحضور.

في غالبية مجالسنا تدور الاحاديث العذبة التي يشارك فيها الجميع بإعادة السرد لبعض قصص المروءة والكرم والصفح والحكمة لمن ياتي الجالسون على ذكرهم.

حتى وهم يتبارون في صياغة الأوصاف وتجميل صور الأشياء يدرك الجلاس حجم المبالغة فيما يكيلونه لبعضهم البعض من مديح ويستطيع الجميع تقدير المسافة بين التوصيف والواقع.

صحيح ان المبالغة قد تطرب من يسمعها وهو يتواطأ على قبولها لكنه يعرف جيدا انها عديمة الصلاحية خارج زمن وسياق استخدامها.

وان الراوي قد ينقلب على الممدوح في اي لحظة وان الكثير مما يقال لا يعدو كونه عربون صداقة محتملة أو توافق آني كمتطلب لأمضاء وقت اللقاء.

البعض يختار ان ينخرط في جلسة استغابة يتبرأ خلالها مما قيل ومما سمع واحيانا مما قال باعتباره مسايرة لا تعبر عن رأيه الحقيقي في الموضوع.

آخرون يفضلون الانسحاب من مزادات الإطراء والتسحيج فيلجأ بعضهم إلى التعبير بصيغة قديمة جديدة تشبه المونولوج فيقول مثلا "والله يا الربع هذاك اليوم وانا بهوجس كنت ما بين الغافي والصاحي اجاني هاتف وقال يا ابو محمد ويش، رايك.. ويكمل القصة باختلاق الهاتف كشريك ليقول كل ما يريده لإخراج الحوار من سياقه الاجتماعي ووضعه في فضاء يشبه الفضاء السيبراني لتجنب الاشادة والمبالغة وحتى اللوم او العتب حول ما يمكن أن يقول.

في التاريخ الاجتماعي لمجتمعنا الرعوي القبلي كانت معظم الإبداعات الشعرية تأتي على هذه الشاكلة فيختار الشاعر مطلعا لقصيدته التي تحمل بوحا وحكما وهموما ومشاعر وعتب فيبثها عبر حوار مع شخصية افتراضية او من على مكان مرتفع او بربطها بواقعة او حالة او ظرف فيقول كل ما لا يستطيع قوله في المجالس او المستهدفين وجها لوجه ".. كأن يقول اشرفت انا المشراف".. او " يا عيال يا مشرقين اثنين "يا مميلين المناديل او القول.. يا حمود.. او يا سعود.

الحوار الداخلي الذي يدور بين الفرد وذاته وبين الوعي ومكنونات النفس قد لا يخرج دائما للعلن لكن فيه من غنى الموضوعات والمحتوى ما يكفي لإصدار الف كتاب.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :