تشهد الجامعات الأردنية اليوم تحولات عميقة على مستوى القيادات الأكاديمية، تمثّلت في تجديد النهج المتّبع لاختيار القيادات، وتطوير آليات التقييم والمساءلة، في خطوة تهدف إلى تعزيز الشفافية، وترسيخ ثقافة الأداء، وإعادة الحيوية إلى المؤسسات الأكاديمية التي تُشكّل الركن الأساس في بناء الإنسان وتنمية الوطن.

لقد أصبح التغيير، بوصفه ضرورة لا ترفًا، مطلبًا ملحًّا بعد أن تبيّن أن استمرار بعض القيادات الأكاديمية لعقود، أحيانًا بمعزل عن مخرجات الأداء أو مؤشرات التطوير، أسهم في خلق نوع من الجمود في الإدارة الجامعية، الأمر الذي انعكس سلبًا على جودة المخرجات التعليمية والبحثية.

ومن هنا، جاءت التغييرات الأخيرة في الجامعات الأردنية كضرورة وطنية تهدف إلى ضخّ دماء جديدة، تنتمي لعصرها، وتُدرك تحدياته، وتتمتّع بالكفاءة والرؤية القيادية القادرة على نقل الجامعات إلى مصاف المنافسة إقليميًا وعالميًا.

لقد تبنّت المملكة مؤخرًا نظامًا متميّزًا لاختيار رؤساء الجامعات، يقوم على أسس تنافسية وشفافة، تبدأ بفتح باب الترشّح، مرورًا بمراحل تقييم متعددة، وصولًا إلى اختيار الأكفأ بناءً على برامج عمل واضحة ومؤشرات أداء قابلة للقياس. كما تم اعتماد نظام لتقييم أداء القيادات الأكاديمية، يربط استمرار التعيين أو إنهاءه بنتائج عملية، في تحول مهم بفلسفة القيادة الجامعية، من كونها “منصبًا” إلى كونها “مسؤولية”.

وبدأنا نلمس نتائج هذا التحول في عدد من الجامعات الأردنية، حيث أظهرت تقارير الأداء تحسنًا في التصنيفات الأكاديمية، وزيادة في النشر العلمي، واهتمامًا أكبر بخدمة المجتمع والمشاركة الطلابية، إضافة إلى تعزيز ثقافة الجودة والمساءلة.

وقد بدا هذا واضحًا في بعض الجامعات التي شهدت تطورًا ملموسًا في بيئتها المؤسسية، ناتجًا عن قيادة جديدة تواكب التحولات، وتتبنّى الابتكار والتخطيط الاستراتيجي.

ومن أبرز معالم هذا التغيير أيضًا التنوع في الخبرات القيادية، حيث تم اختيار كفاءات أكاديمية متخصصة في مجالات متنوعة، واستقطاب خبرات من جامعات أردنية وأخرى خارجية، في مؤشر على الإيمان بأن قوة الجامعات تكمن في تنوعها لا في نمطيتها. وهذا التنوّع يعزّز بيئة الحوار، ويفتح المجال أمام رؤى متعددة تسهم في التطوير الشمولي.

وصار التجديد وسيلة لحيوية أكاديمية متجددة، فاختيار قيادات جديدة لا يعني فقط تبديل الأسماء، بل تقديم عقول جديدة في إدارة البرامج، وتحديث البنية الفكرية للمؤسسة، والتفاعل النشط مع متغيرات السوق واحتياجات الطلبة، ومعايير الاعتماد العالمية.

ولذا، فإن التغيير في القيادة لا ينبغي أن يُفهم على أنه قطيعة مع الماضي، بل هو استمرارية متطورة، تنبني على ما تحقق، وتنفتح على المستقبل بعقل نقدي بنّاء.

إنني أرى في هذا الحراك الإيجابي نحو التجديد الأكاديمي خطوة تستحق التقدير والدعم، إذ تُعبّر عن نضج إداري وتربوي، وتؤكد أن الجامعات ليست كيانات معزولة عن المجتمع، بل هي قاطرة للتنمية والتغيير.

كما أن التنوع في القيادات الجديدة، من حيث التخصصات والخلفيات الفكرية، يمنح العملية التعليمية زخمًا يليق بطموحات الأردن في المستقبل المنظور.

ولا شك أن التغيير في القيادات الأكاديمية ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لإحداث نقلة نوعية في بيئة التعليم العالي الأردني.

والمطلوب اليوم هو البناء على هذه الخطوات، واستمرار التقييم، وتعزيز ثقافة المساءلة، لتظل جامعاتنا منارات للعلم، ومراكز للتميّز، ومصانع للعقول القادرة على النهوض بالأردن في مختلف المجالات.

وفي الختام، أحيّي وأشيد بما حققته جامعتنا من تميز مرموق، أصبحت معه علامة بارزة في العمل المؤسسي المتجدد.

وأبارك لكل من تم اختياره من الأساتذة الكرام لتولي مواقع قيادية جديدة، متمنيًا لهم التوفيق والنجاح في مهامهم ومسؤولياتهم، ومؤمنًا بأنهم سيكونون على قدر الثقة، وسيسهمون في تعزيز المكانة العلمية لجامعاتنا.