facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




"الأمناء العامون" بين المسؤولية والاختبار


فيصل تايه
23-08-2025 09:12 AM

لم يكن اجتماع رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان مع الأمناء العامين للوزارات يوم أول أمس الخميس لقاءً بروتوكولياً عابراً في روزنامة الحكومة ، بل جاء بمثابة رسالة سياسية وإدارية قوية واضحة تؤشر إلى ملامح المرحلة المقبلة في إدارة الدولة الأردنية، حيث يُراد للإدارة العامة أن تتحول من جهاز تقليدي ينجز الروتين اليومي ، إلى أداة قيادية تدير التحول الشامل الذي تطرحه رؤية التحديث الاقتصادي والإداري ، وطرح واضح وصريح ان المرحلة المقبلة ستكون اختباراً صعباً للأمناء العامين ، لذلك ، فما فعله دولة الدكتور حسان أنه وضع الجميع أمام مرآة الحقيقة : إما الإنجاز الملموس ، وإما الفشل المكشوف.

من وجهة نظري فان الرجل لم يُجامل ، ولم يخفِ أن الإدارة الأردنية تعاني من مرض مزمن "بيروقراطية مترهلة" تعيش على الورق وتخشى النزول إلى الميدان ، في إشارات واضحة أن المرحلة المقبلة لا تحتمل المزيد من المكاتب المغلقة والكتب الرسمية المنمقة والمطولة، بل تحتاج إلى حضور فعلي وقرارات جريئة ، وان الامر ان تعلق بالامناء العامين في مختلف الوزارات يتطلب ان نكون صريحين ، فهم ليسوا غرباء عن المشهد ، فالكثير منهم يعرف جيداً أن وزارته تعيش في "دائرة الروتين" ، وأن "المواطن" لا يرى في الأداء الحكومي سوى البطء والتعقيد ، حيث المشكلة ليست في تشخيص الداء، بل في أن هؤلاء المسؤولين اعتادوا لعب دور "مديري الدوام"، لا "قادة التغيير".

اننا لطالما اعتدنا وفي متابعاتنا لأداء مؤسساتنا الحكومية الرسمية أن ننظر الى الأمناء العامين بصفتهم "المحرك الصامت" للوزارات ، حيث وجودهم أساسي ، لكن اكثرهم بعيدون عن الأضواء ، بيد أن ما قاله الدكتور حسان قلب هذه المعادلة ، إذ أرادهم في الواجهة، ليتحمّلوا مسؤولية الإنجاز والتنفيذ ، بل وربط نجاحهم بما يشعر به المواطن والمستثمر على أرض الواقع ، فما يريده الناس اليوم ليس خطة جديدة ولا لجان إضافية، بل خدمة أفضل، إجراء أسرع، وقرار أوضح ، تلك نقلة نوعية في ثقافة الإدارة الأردنية، إن كُتب لها أن تُترجم إلى فعل ، وهنا بيت القصيد ، فالامتحان الحقيقي لا يكمن في الأفكار بل في الممارسة ، فالتجربة الأردنية مليئة بالاستراتيجيات "المنمقة والجميلة" التي أُعلنت بحماسه ، ثم ما لبثت ان تبخرت في دهاليز التنفيذ .

نحن نعلم ان الأمناء العامون في "العرف الإداري الأردني" يعُدَّون امتداداً للوزراء في متابعة شؤون الوزارات ، لكن دولة الرئيس في هذا الاجتماع وضعهم أمام مسؤولية أكبر ، بعد ان وصفهم بأنهم "أركان التحديث الإداري"، أي أنهم لم يعودوا مجرد منفذين لتوجيهات وزرائهم ، بل قادة في الميدان مسؤولون عن دفع عجلة الإصلاح والتنفيذ ، حيث هذا التحول يعكس إدراكاً متزايداً بأن الإصلاح الحقيقي لا يتوقف عند رسم السياسات ، بل عند قدرتها على النفاذ إلى الواقع عبر جهاز إداري قوي وفعّال ، اذ كان كان يُقاس نجاح الوزارات وفي تقليد إداري طويل ، بقدرتها على إعداد خطط وبرامج سنوية، لكن دولته اليوم قلب المعادلة حين أعلن أن رضا المواطن والمستثمر هو المعيار النهائي للتقييم ، فهذه النقلة في فلسفة الإدارة العامة تعني أن التقارير وحدها لن تكفي بعد اليوم ، بل يجب أن يشعر المواطن بتحسن في الخدمات، والمستثمر في ببيئة أكثر وضوحاً وسلاسة.

اللافت أن رئيس الوزراء تحدث بنبرة مختلفة ، ولم يكتفِ بالكلام النظري، بل أطلق أدوات عملية منها تفعيل "المتسوق الخفي" كأداة لتقييم الأداء في بلد اعتاد قياس الأداء بالتقارير الرسمية المليئة بالمجاملات ، اذ سيبدو الأمر كمن يزرع جهاز كشف الكذب في قلب الإدارة العامة ، وهنا التحدي الحقيقي ، ما يعكس رغبة في قياس الأداء الواقعي في خطوة تقود الى الانتقال إلى اختبار فعلي لمدى جودة الخدمة المقدمة على الأرض.

كما وان واحدة من الإشارات المهمة في الاجتماع كانت توجه الحكومة إلى تفويض مزيد من الصلاحيات للأمناء العامين والإدارات التنفيذية على المستوى الإداري، مع العلم ان تفويض الصلاحيات "سلاح ذو حدين" ، وصحيح أن المركزية قتلت الإنجاز، لكن منح الصلاحيات بلا محاسبة قد يضاعف المشكلة ، لذلك فنحن بحاجة إلى جرأة في التفويض، لكننا بحاجة أكثر إلى جرأة في المحاسبة ، تلك خطوة جريئة لدولة الرئيس تعكس رغبة في منح الجهاز التنفيذي مرونة أكبر، بعيداً عن مركزية القرار التي طالما عطلت الإنجاز ، لكن في المقابل فان هذه الخطوة محفوفة بالتحديات ، إذ تفتح الباب أمام إنجاز أسرع لكنها في الوقت ذاته تتطلب رقابة ومساءلة صارمة ، حيث يطرح هذا التفويض تحدياً يتمثل في ضرورة وجود آليات شفافة للمساءلة، حتى لا يتحول إلى مساحة للتهرب من المسؤولية ، وان نجاحها يعتمد على قدرة الحكومة على بناء منظومة تقييم شفافة، لا تحابي ولا تجامل، ولا تحوّل هذا التفويض إلى غطاء إضافي لزيادة البيروقراطية .

ولم يغب عن الاجتماع التأكيد على التحول الرقمي وبناء قواعد بيانات مشتركة بين الوزارات ، وهو مطلب لطالما رفعته الحكومات لكنه ظلّ يراوح مكانه ، فالإصرار الجديد على هذا الجانب يعني أن الدولة تسعى إلى إدارة أكثر تكاملاً، حيث المعلومة متاحة، والقرار مبني على بيانات، والإنجاز أسرع وأقل كلفة ، وكلها خطوات تعكس إدراكاً بأن البيروقراطية التقليدية لم تعد قادرة على خدمة مشروع التحديث.

اعتقد إن الاجتماع حمل رسائل أساسية ، تتلخص في ان الزمن الإداري التقليدي انتهى ، بمعنى ان الأمناء العامون لم يعودوا موظفين كباراً فحسب، بل قادة ميدانيون ، وان المعيار تغيّر فالحكم على الأداء لم يعد بالخطط والتقارير، كما وان الإصلاح مرهون بالجرأة والمرونة ، من خلال تفويض الصلاحيات، والتحول الرقمي، وربط المسؤولية بالمحاسبة ، فالرسالة الأهم هي أن المواطن عاد إلى صدارة معادلة الحكم على الأداء ، فالمرحلة المقبلة لن تُقاس بالخطط المعلنة ولا بالشعارات، او التصريحات ، بل بما يلمسه المواطن والمستثمر فعلياً على أرض الواقع: خدمة أسرع، قرار أوضح، وبيئة أكثر انفتاحاً وجاذبية للاستثمار ، فالمعيار واضح ، هذه ببساطة هي معادلة النجاح أو الفشل ، وهذا معيار قد يبدو بسيطاً، لكنه في الحقيقة ثوري، لأنه يسحب البساط من تحت الإنجازات الوهمية، ويجعل الخدمة اليومية للمواطن هي الحكم ، ما يضع الأمناء العامين أمام امتحان قاسٍ .

واخيراً فان هذا الاجتماع وضع الإدارة الأردنية أمام اختبار جِدّي ، حيث الزمن الإداري القديم انتهى ، فإما أن يتحول هؤلاء المسؤولون إلى أدوات للتنفيذ الفعلي لرؤية التحديث، يقودون فرقهم برؤية وجرأة ، وعبر الحضور الميداني والاستماع للناس وتقديم حلول واقعية، أو أن يبقوا أسرى ثقافة التوقيع على الكتب الرسمية وانتظار التوجيهات ، وبذلك يظلوا أسرى البيروقراطية القديمة .

لكن يبقى السؤال الذي لم يُجب عليه الاجتماع بعد: هل لدى الأمناء العامين الشجاعة ليكونوا قادة ميدان، أم أن كلمات حسان ستبقى مجرد صدى في قاعة الاجتماعات؟

والله ولي التوفيق





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :