facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قبل ان تصدر "الحافر": تجبرك أن تترك تقريرك جانبًا


د. صالح سليم الحموري
25-08-2025 02:15 PM

يوم أمس، وبينما كنت أعدّ تقريرًا مهمًا لعملي، وصلتني رسالة من الصديق العزيز أحمد سلامة مرفقًا بها روايته الجديدة غير المنشورة بعد، طالبًا رأيي فيها بكل امتنان. لم أكن في وارد قراءة رواية في تلك اللحظة، لكن ما إن وقعت عيناي على العنوان "الحافر "حتى استفزني، وجعلني أؤجل التقرير جانبًا. أي حافر هذا؟ وأي أثر يريد أبورفعت أن يتركه في قارئه؟

فتحت الصفحات الأولى، وإذا بي أجد نفسي مشدودًا إلى رحلة متشعبة بين طهران وعمّان وإسطنبول، أتنقل مع البطل "أمجد" بين لحظات الخيانة والاعتراف، وبين وجوه نسائية مثل نسرين وإيفا، وشخصيات عابرة تضيء النص ثم تختفي كأنها رموز أكثر منها شخوصًا من لحم ودم. لم أستطع أن أترك الرواية، حتى أنني تأخرت عن صديق كان ينتظرني على العشاء!

أحمد سلامة في "الحافر" لا يكتفي بالحكاية، بل يغامر في البنية السردية، يخلط بين الواقع والحلم، بين التدفق النفسي الداخلي (تيار الوعي) والمشاهد الخارجية السريعة. أحيانًا تجد نفسك في مسجد، ثم فجأة في كازينو تلعب الروليت، حتى وصلنا جبل عمان، ثم على متن طائرة متجهة إلى عاصمة أخرى. هذه القفزات السردية تُربك أحيانًا، لكنها تمنح الرواية نفسًا عالميًا وفضاءً عابرًا للحدود.

الموضوع المركزي للرواية هو الخيانة :خيانة الحبيب، الصديق، الوطن، وحتى خيانة الذات. لكن سلامة يعالجها لا كحادثة عاطفية فحسب، بل كقدر وجودي يلاحق الإنسان. "الحافر" هنا رمز للأثر الذي يتركه الإنسان رغم زواله؛ أثر قد يكون جرحًا، أو بصمة، أو لعنة.

اللغة مشحونة بالصور البلاغية، أقرب إلى الشعر في كثير من المقاطع. لكن هذه الكثافة الفلسفية أحيانًا تُثقل القراءة، وتجعل القارئ غير المتمرّس يتوه وسط التداعيات والرموز.

وأنا أقرأ "الحافر"، وجدت نفسي أقارنها بعدة نماذج عربية:

• عند عبد الرحمن منيف، هناك نقد سياسي واقتصادي مباشر، بينما سلامة يذهب إلى النقد الوجودي والأخلاقي.

• عند جبرا إبراهيم جبرا، كما في "البحث عن وليد مسعود"، نجد تشابهًا في الانغماس في السيرة الداخلية والاعترافات.

• عند الطيب صالح، يتردد صدى الصراع بين الشرق والغرب، وهو ما نجده جزئيًا هنا في تنقل البطل بين العواصم.

فرادتها أنها تجعل من الخيانة قدرًا فلسفيًا يعكس ضياع الفرد العربي المعاصر، لا باعتباره فاعلًا سياسيًا فقط، بل كإنسان يعيش هشاشة الداخل وتيه المعنى ،"الحافر" ليست رواية سهلة، ولن تُرضي من يبحث عن حبكة مشدودة أو أحداث متتابعة. إنها رواية تُجبِر القارئ أن يتوقف، أن يُفكّر، وأن يُعيد النظر في معنى الخيانة، وفي الأثر الذي نتركه وراءنا.

هي عمل سيُثير الجدل: بين من يراه نصًا رمزيًا عميقًا يُعرّي أزمة الوجود العربي، ومن يراه متخمًا بالفلسفة والغموض.

لكن المؤكد أنها رواية لا تُقرأ ثم تُنسى؛ بل تترك أثرًا، تزرع سؤالًا في داخلك، وتدفعك لأن تسأل نفسك: هل لك أنت أيضًا "حافر"؟





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :