facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




رُتبة العِلمِ أعلى الرُّتب


أ.د سلطان المعاني
25-08-2025 10:24 PM

العِلمُ رتبةٌ تسمو فوق كل الرتب، وتظلُّ تاجًا لا يزول ولا يَبهتُ بريقُه مع تعاقب الأزمنة. هو الذي يُقيم في النفس مقامًا رفيعًا لا يبلغه سلطان ولا يُدركه مال، لأن المال يَفنى، والسُّلطان يزول، وأسباب الجاه والحَسَب تذروها الرياح متى تبدّلت الظروف، غير أن العلم يثبت كالطود الراسخ، يضيء للإنسان دربًا لا ينقطع، ويمنحه حياةً ثانية تبقى بعد أن يُطوى الجسد في ثرى الأرض. ومن هنا كانت مكانته أعلى المراتب وأرفع المنازل، إذ لا يتفاخر الإنسان بغيره إلا لحظة، أما من تَحَلّى بالعلم ففخره ممتدّ عبر الأجيال.

تُظهر لنا مسيرة الحضارات أن كل ما بُني على القوة أو الثروة قد تهدّم أو تبدّل، بينما الذي أُقيم على العلم ظل أثره حيًّا شاخصًا. فها هي مكتبات الإسكندرية وبغداد وقرطبة شاهدة على أن العلم هو الذي صاغ روح الأمم، وهو الذي أبقى أسماء العُلماء خالدين في الذاكرة الجمعية، بينما أضحت أسماء ملوكٍ وجبابرة أثرًا بعد عين. العلم إذن رصيد معرفي يَحمله الإنسان، وجوهر الوجود ومعيار القيمة، به يُقاسُ رفعة المرء ومكانته بين أقرانه.

وليس أعجب من أن يتوارث الناس المال فيتنازعون عليه، أو يرثوا المناصب فيتناحرون حولها، بينما يترك العالِم علمًا فيغدو ميراثًا عامًا يشترك فيه كل طالب ومُحب، فيرتقي به المجتمع بأسره. إن العلم عطاء يتجاوز حدود الأفراد ليغدو صدقة جارية، ينمو كلما انتفع به الناس، ويترسّخ كلما أُعيد إنتاجه في أذهان الأجيال. وبذلك يعلو العالِم على من يفاخر بالحَسَب والنَّسب، لأن تلك مآثر محصورة في زمنها وأهلها، أما العلم فشرف ممتد لا تحدّه حدود.

وللعلم سلطان معنوي يتجاوز سلطان السيوف، لأنه يحكم الضمائر والعقول لا الأجساد فقط. ولطالما أثبت التاريخ أن كلمة حق يكتبها عالم أو حكيم كانت أقوى أثرًا من جيوش جرارة، وأن كتابًا صغيرًا قد غيّر مسار أمة، وأن فكرة في رأس فيلسوف هزّت عروشًا وبدّلت مجرى التاريخ. ومن هنا فإن صاحب العلم يبزّ كل مفاخرات الآخرين، لأنه يُمسك بما هو أبقى: الفكر والمعرفة.

وحين نُمعن النظر في الفرق بين التفاخر بالعلم والتفاخر بغيره، نجد أن الأول يرفع صاحبه من غير أن يضع غيره، بينما الثاني لا يقوم إلا بمقارنة خادعة تُظهر المرء في صورة زائفة. فالمُتباهي بالمال يُظهر فقر الآخرين، والمُتكبّر بالنسب يُقصي مَن هم خارج السلالة، أما العالم فإنه يُضيف إلى رصيد الإنسانية، ويغدو منارة يهتدي بها القريب والبعيد.

إن رتبة العلم هي أرفع الرتب، بها يُبنى الوعي وتنهض الأمم وتُصان الكرامة. كل تفاخرٍ فوق الأرض معرض للسقوط، إلا التفاخر بالعلم، فهو وحده الذي لا يحدّه زمان ولا يقيّده مكان، ويظل فخرًا خالدًا يعانق الخلود. ومن أراد المجد الحقّ فليجعل من العلم زاده، فإنه الباقي حين تنطفئ الأضواء، وهو الذي يُبزّ أي تفاخر ويعلو فوق كل فخر.

في نهج البلاغة يُروى عن الإمام علي بن أبي طالب قوله: «العلم خيرٌ من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق، وصنيع المال يزول بزواله، والعلم يُذكر على مرّ الدهور، العلم حاكم والمال محكوم عليه.» هذه الكلمات تُبرز بجلاء أن رتبة العلم أرفع من كل مفخرة دنيوية، فهو الحارس لا المحروس، وهو الذي يبقى أثره ممتدًا عبر الزمان، بينما المال عَرَض يزول بزوال أسبابه. بهذا البيان يرسّخ الإمام علي صورة العلم باعتباره السلطة المعنوية العليا التي تهيمن على القلوب والعقول، في حين يبقى المال مقيدًا بحدود النفقة والاندثار.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :