في سباق الرئاسة .. من يحسم رئاسة البرلمان الأردني؟
فيصل تايه
26-08-2025 09:42 AM
مع اقتراب موعد انعقاد الدورة العادية الثانية لمجلس النواب العشرين، رجحت مصادر نيابية وحكومية أن تُعقد في النصف الأول من شهر تشرين الأول المقبل، وبذلك يدخل البرلمان الأردني واحدة من أكثر معاركه حساسية ، اذ يشهد حراكاً متسارعاً حول موقع الرئاسة ، حراكٌ يذكّر بسباقٍ سياسي طويل النفس، تتداخل فيه الحسابات الحزبية مع صفقات الكواليس، وسط تغيرات مرتقبة في تركيبة بعض الكتل ، لكن التوافقات لا تزال بحاجة إلى حوارات معمقة وإرادة سياسية حقيقية لضمان دور فاعل لمجلس النواب في المرحلة المقبلة.
الجميع في حالة ترقب للحظة الحسم تحت القبة ، لذلك فمن الملاحظ ان الهمسات تزايدت في أروقة المجلس ، وكثرت اللقاءات المغلقة ، حيث المشهد ليس مجرد منافسة على كرسي الرئاسة ، بل اختبار حقيقي للتوازنات بين الدولة ، الأحزاب الناشئة، والإسلاميين، وما تعكسه هذه المعركة من شكل العلاقة بين البرلمان والحكومة في المرحلة المقبلة ، فمن المعروف ان انتخابات رئاسة مجلس النواب وعلى مدى تاريخها توصف انها كثيره "الصخب العلني" ، لكن القرارات الحاسمة تصنع في الظلال ، فبعيداً عن الأضواء تجري لقاءات سرية وصفقات مبكرة ، فالخبرة البرلمانية تؤكد أن انتخابات الرئاسة لا تُحسم بالتصريحات ، بل بالتحالفات التي تُبنى خلف الأبواب المغلقة ، حيث يُعاد رسم التوازنات قبل يوم التصويت ، وتبقى الانظار تترقب يوم الجلسة الأولى من هذه الدورة ، ويبقى المشهد أشبه بسباق طويل النفس .
الرئيس الحالي "أحمد الصفدي" ، يراقب ويلتزم صمتاً "لافتاً" ، ما يفتح باب التأويلات ، فلا يصرّح ، ولا يعلن، ويكتفي بالابتسامة والهدوء ، لكن في السياسة، الصمت أحياناً أبلغ من أي خطاب ، والجميع يعرف أن "الصفدي" لم يخرج من المعادلة ، فالرجل يحظى بثقة قطاع واسع من النواب ويُنظر إليه كخيار "الاستقرار"، لكنه لم يُعلن موقفه بعد ، وكأنّه يراهن على عامل الوقت لإعادة تجميع أوراقه في اللحظة الأخيرة ، او ربما ينتظر اللحظة الأخيرة ليعود إلى الواجهة باعتباره الخيار "الأكثر أماناً" ، لذلك تجده لا يزال يتريث في إعلان موقفه ، لكنه يُقرأ على نطاق واسع كخيار مفضّل لدى الدولة، بحكم قدرته على إدارة الجلسات بروح توافقية، ونجاحه في ضبط إيقاع الدورة السابقة ، كما ويُمثّل في نظر كتلتة "كتلة الميثاق" عنوان الاستقرار، خصوصاً أن الحزب يبحث عن تكريس صورة القوة البرلمانية المنظمة بعيداً عن الفوضى ، لكن تصريحات الحزب أوضحت أن الكلمة الأخيرة لم تُحسم بعد ، لكن ورغم الضجيج، يبقى "الصفدي" الأقرب إلى تمثيل الحزب كمرشح يوازن بين الانضباط الحزبي والخبرة النيابية.
وإلى جانب "الصفدي" ، برزت أسماء أخرى في سباق الرئاسة، فقد قرر آخرون أن يتحركوا باكراً ، أبرزهم النائب الأول للرئيس "مصطفى الخصاونة" الذي دخل السباق بوضوح ، إلى جانبه أعلن كل من "مجحم الصقور" و "علي الخلايلة" نيتهم الترشح ، بينما تلوح أسماء أخرى في الأفق اذ تتداول الكواليس أسماء مثل "خميس عطية" و "مصطفى العماوي" وغيرهم حيث بعض هذه الترشيحات يوصف بأنها محاولات جدية حتى النهاية لتكون أوراق ضغط للحصول على مواقع متقدمة داخل المجلس وتحسين المواقع داخل المكتب الدائم ، لكن ومن وجهة نظر أخرى فان هذا التعدد قد يعكس ديناميكية جديدة في البرلمان ، لكنه في الوقت ذاته قد يبعثر الأصوات ، ويفتح المجال أمام تحالفات غير متوقعة.
انه وضمن كل هذا الحراك ، يلتفت الجميع إلى جهة واحدة وهي كتلة "حزب جبهة العمل الإسلامي" والتي باتت رقماً صعباً في المعادلة ، اذ يتجاوز عدد نوابها الثلاثين نائباً ، وبذلك فان هذه الكتلة تُعتبر العامل الأكثر تأثيراً في معادلة الرئاسة ، فهم قادرون على قلب الطاولة لأي طرف ، ويمكن أن يرجّح خيارهم كفة أي مرشح ، ولكن وحتى الآن فان الامر محكوم بمعادلة دقيقة ، اذ ان خياراتهم لم تُعلن بعد ، فدعمهم لأي مرشح قد يحسم النتيجة سريعاً ، لكن يبدو انهم أكثر ميلاً إلى لعب دور "المقرّر" الذي يوازن بين جميع الأطراف، بدل الاكتفاء بدور المراقب.
من جهة أخرى فان دعمهم "الصفدي" يضعهم في موقع "الشريك الموثوق"، لكنه قد يُفسَّر كتقارب زائد مع الحكومة ، اما دعم منافس آخر يمنحهم ورقة ضغط أكبر، لكنه قد يُنظر إليه كخطوة تصعيدية في لحظة سياسية حساسة ، وفي كلا الحالتين ، فانهم يبدون أكثر ارتياحاً للعب دور "المقرّر" لا المتفرج كما سبق واشرت ، مع العلم انهم لغايه اللحظة لم يكشفوا أوراقهم بعد، لكنهم يعرفون أنهم يمسكون بمفتاح اللعبة ، فهل يقررون دعم "الصفدي" لتعزيز صورة "الشريك السياسي الرصين"؟ ويمكن ان يفاجئوا الجميع بترجيح منافس آخر للحصول على مكاسب تفاوضية؟
الحكومة، من جهتها، تلتزم الصمت ، ولم تُبدِ موقفاً معلناً، ولم ترسل أية إشارات واضحة ، لكن المتابعين يدركون أن التنافس على رئاسة المجلس ليس مجرد تنافس على إدارة الجلسات، بل هو اختبار لمعادلة الحكم ، فالحكومة ليست بعيدة عن المشهد ، والرئاسة القادمة ستشكّل خط الدفاع الأول عن السياسات الحكومية، والنواب يدركون أن موقع الرئاسة مهم جداً لتمرير أجندة الحكومة في الدورة المقبلة ، وعليه، فإن "الحياد" قد لا يستمر طويلاً ، وستحدد طبيعة العلاقة بين السلطتين ، لذلك فالحكومية معنية بأن يكون الرئيس القادم قادراً على تمرير أجندتها، خاصة الكم الكبير من الملفات الحساسة ، لكن دون إظهار وصاية مباشرة تُثير حساسية النواب ، لان الدولة يهمها ان تميل إلى مرشح توافقي يحفظ الاستقرار ويمنع الانقسام الحاد داخل المجلس.
وأخيرا .. فالمشهد يبدو ضبابياً ، فبين صمت الصفدي ، واندفاع الخصاونة، وتحالفات الكتل ، وتريث الإسلاميين ، تبدو المعركة أشبه بـ"ماراثون سياسي" لا ينتهي عند إعلان النوايا ، بل عند اللحظة التي يرفع فيها الرئيس الجديد يده ليقرع بمطرقته تحت القبة.
وحتى ذلك الحين ، يبقى المشهد مفتوحاً على كل السيناريوهات ، رئيس يستمر بحكم الخبرة ؟! ، أم وجه جديد يفرض حضوره !؟
والله ولي التوفيق