facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المجتمع الأردني وسط توترات الجريمة


د. حسين سالم السرحان
27-08-2025 12:26 AM

يقف المجتمع الأردني اليوم أمام مفترق طرق: فإمّا أن نكتفي بردود الفعل اللحظية، ونُسلِّم أنفسنا لموجات الجريمة المتكرّرة، أو أن نتحرّك ببوصلة وطنية علمية تعيد ضبط إيقاع العلاقة بين الدولة والمجتمع؛ من أجل استعادة الاستقرار، وتعزيز الأمن والسِّلم الاجتماعي، من خلال الفهم، والوقاية، وتطبيق العدالة الناجزة في العقوبة الواجبة، دون تردّد أو خوف، أو خضوع لإملاءات خارجية من منظمات حقوقية أو غيرها.

فلم تعد الجريمة في المجتمع الأردني مجرد حوادث فردية معزولة، بل تحوّلت إلى مؤشّر صارخ على اختلالات بنيوية عميقة تمسّ النسيج الاجتماعي والاقتصادي والقِيَمي. وبينما تكتفي الجهات الرسمية في معظم الأحيان بالتعامل مع الوقائع بصيغتها الأمنية المباشرة، فإن جوهر الظاهرة يتطلب تفكيرًا أعمق من الحدث، ونظرة علمية تفسّر لا فقط ما جرى، بل لماذا يجري وكيف يمكن منعه مستقبلاً.

شهد الأردن خلال السنوات القليلة الماضية تصاعدًا مقلقًا وغير مسبوق في عدد الجرائم ومستوى خطورتها، وانتقلت الجريمة من الهامش إلى المركز في حياة الناس؛ لا سيما تلك التي تقع داخل الأسرة، أو بين الأصدقاء والجيران، أي في الدوائر التي كانت تُعدّ أكثر تماسُكًا وأمانًا في المنظومة الاجتماعية التقليدية.

لم يعد من النادر أن تهزّ الرأي العام جرائم قتل تنطلق من خلافات عائلية أو شخصية، على نحوٍ يثير الذهول والقلق، كما حدث مؤخرًا في جريمة مقتل النائب الأسبق موسى أبو سويلم ونجله، وهي فاجعة لم تُصدم بها العائلة فقط، بل المجتمع بأسره، لما للفقيد من مكانة علمية ودينية وأخلاقية مرموقة.

تتجاوز هذه الجريمة وغيرها مجرد كونها أخبارًا مأساوية؛ فهي إشارات واضحة إلى تحولات عميقة في البنية القيمية للمجتمع، وإلى أن العنف بات يحضر في مشهد الحياة اليومية كخيار متاح، وربما مبرّر، لدى بعض الأفراد.

لم تعد الجريمة بهذا الحجم انحرافًا فرديًا فحسب، بل هي ظاهرة اجتماعية لها جذورها البنيوية، وتُعد مؤشّرًا على اختلال التوازن القيمي داخل المجتمع.

وفي الحالة الأردنية، يبدو أن هذه الفجوة تتسع بشكل غير مسبوق. فارتفاع معدلات البطالة، التي بلغت نحو 22.4% بحسب تقديرات عام 2024، وتراجع مستويات المعيشة، وتفاقم الفجوة الطبقية، كلها عوامل ضاغطة تُحدث اختناقًا اجتماعيًا، ينعكس في ازدياد العنف والانفجارات السلوكية الفردية.

إلى جانب ذلك، نشهد تفككًا في الروابط الأسرية وشبكات الدعم الاجتماعي، مع تصاعد نسب الطلاق والانفصال، وضمور المساحات الآمنة داخل العائلة. وفي ظل هذا التآكل، لا يجد الأفراد حواضن نفسية واجتماعية تمنع انزلاقهم نحو العنف.

كما أصبح الإعلام الرقمي صانعًا للفوضى، بل ويقوم بدور مركزي في تكريس هذا المشهد المضطرب. فمع تنامي ظاهرة “الترند” و”المواطن الصحفي”، تُتداول أخبار الجرائم بسرعة هائلة، غالبًا دون تحقق، مما يُنتج حالة من الهلع الجمعي، ويُطبع العنف في الوعي العام. والأسوأ أن بعض التغطيات تسهم في إعادة إنتاج الجريمة بوصفها حدثًا استهلاكيًا، لا قضية مجتمعية تستدعي الفهم والمعالجة.

ويتجلى بشكل واضح ضعف السياسات الوقائية والاستجابة الرسمية.

فرغم ما تقوم به الجهات الأمنية من جهود كبيرة في ضبط الجرائم والكشف عنها — والتي بلغت في بعض الحالات نسب كشف تجاوزت 99% — إلا أن ذلك يظل في الإطار الإجرائي فقط، دون معالجة حقيقية للدوافع والجذور.

فالاستجابة الحكومية لا تزال بطيئة ومتأخرة عن فهم الأسباب، ويظهر غيابٌ واضحٌ للدراسات الموجهة من مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث، ما يعكس تقصيرًا كبيرًا في تشخيص التحولات الاجتماعية والثقافية التي تقود إلى تفشي الجريمة.

من هنا، فإن السلطتين التشريعية والتنفيذية مطالبتان اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بتحديث القوانين العقابية، وتعزيز أدوات الوقاية، وتطوير السياسات الاجتماعية على أسس واقعية لا افتراضية.

فما الذي نحتاجه الآن؟

إن مواجهة هذا المشهد المركّب لا يمكن أن تتم بأساليب أمنية فقط، بل تتطلب رؤية وطنية شاملة تتكامل فيها مؤسسات الدولة مع المجتمع المدني والخبراء. ومن هنا، نُقدِّم جملة من التوصيات الملحة:

1.تأسيس مرصد وطني للجريمة والتحول الاجتماعي، تكون مهمته جمع وتحليل البيانات بشكل مستمر، واستشراف الاتجاهات.

2.تفعيل برامج التربية الأسرية والتوجيه النفسي في المدارس والجامعات، كأداة للوقاية من الانحرافات السلوكية.

3.سنّ تشريعات حديثة لتنظيم الإعلام الرقمي، بما يمنع نشر الذعر والتضليل، ويحمي المجتمع من الفوضى المعلوماتية.

4.إطلاق استراتيجية وطنية للوقاية من الجريمة، ترتكز على مبادئ العدالة الاجتماعية، وتُفعّل أدوات التدخل المبكر، وتعيد الاعتبار لهيبة القانون وفعاليته.

5.تفعيل العدالة الناجزة، عبر تسريع وتيرة البت في القضايا، وتطبيق العقوبات الرادعة بما يرسّخ الثقة في منظومة العدالة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :