facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




"الرسوم الجامعية" حين يتحول الحلم إلى عبء


فيصل تايه
27-08-2025 10:37 AM

في بلد مثل الأردن، يشكل التعليم العالي فيه أحد الركائز الأساسية للتنمية البشرية والاقتصادية، حيث لا يملك الشباب سوى العلم كطريقٍ للترقي الاجتماعي وكسر قيود البطالة، لكن قرارات رفع "الرسوم الجامعية" هذا العام أثارت جدلاً واسعاً حول انعكاساتها على الطلبة والأسر والمجتمع ككل ، اذ شكلت شبحاً كأنه صفعة جديدة على وجه الطبقة الوسطى والفقيرة ، وكأن الشاب الأردني لم يكفه الغلاء والبطالة، حتى يجد نفسه أمام خيارين ، إما أن يرهن مستقبله بالديون أو يدفن حلمه على أبواب الجامعة.

أن هذه السياسات تطرح سؤالاً جوهرياً: هل يؤدي رفع الرسوم إلى تحسين جودة التعليم واستدامة الجامعات ، أم أنه يفاقم الأعباء الاقتصادية ويؤدي إلى نتائج عكسية؟

انه وبالرغم من تاكيد إدارات الجامعات أن رفع الرسوم جاء نتيجة لتراجع الدعم الحكومي ، حيث انخفضت المخصصات المالية للجامعات الرسمية تدريجياً، ما دفعها إلى البحث عن مصادر تمويل بديلة ، اضافة الى ارتفاع كلفة التعليم ، خصوصاً في التخصصات الطبية والهندسية التي تتطلب تجهيزات مخبرية وبنية تحتية مكلفة ناهيك عن تزايد أعداد الطلبة مما يزيد الضغط على مرافق الجامعات دون توسع موازٍ في التمويل.

اننا نعي ان "الجامعات الرسمية" من المفترض أن تكون ملاذ الطبقة الكادحة، مع ارتفاع رسوم الجامعات الخاصة ، لكننا نجدها تتحدث اليوم بلغة السوق: العرض والطلب، العجز المالي، كلفة التشغيل، وفجأة نجد أن التعليم لم يعد رسالة وطنية، بل سلعة تباع لمن يقدر على الدفع، والنتيجة؟ أبناء الأغنياء في مقاعد الدراسة الجامعية، بينما أبناء الفقراء يكتفون بمتابعة أخبار التخرج على "الفيسبوك".

انا اعتقد ان رفع الرسوم لن يبقى قضية جامعية فقط، بل له ارتدادات أوسع ، عائلات تنهار اقتصادياً لأنها قررت أن "تستثمر" في شهادة ابنها، خاصة العائلات التي لها أكثر من طالب في الجامعات، وشباب يطرقون أبواب الهجرة، لأن الجامعات في الخارج صارت "اقل تكلفة" أو على الأقل تؤهل لفرصة عمل بعدها ، مجتمع تتسع فيه الهوة الطبقية بين من يملك حق التعليم ومن يُحرم منه.

دعوني اعود الى التساؤل الاهم : هل يُعقل أن يُترك مصير آلاف الطلبة تحت شعار "الجامعات تعاني من عجز مالي"؟ نعم، الجامعات تعاني، لكن ألم تسأل الحكومات نفسها : لماذا؟ أين ذهبت أموال الدعم؟ أين الإصلاح الإداري؟ أين استثمار البحث العلمي بدل الاعتماد فقط على جيب الطالب؟

الحلول ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إرادة سياسية حقيقية تكمن في إصلاح سياسات الدعم الحكومي حيث يمكن إعادة توجيه الدعم إلى التخصصات الحيوية ذات الأولوية الوطنية، مع تبني نماذج تمويل أكثر عدالة وشفافية ، اضافة لتعزيز نظام المنح والقروض من خلال تعزيز برامج القروض التعليمية الميسرة والتي تُسدّد بعد التخرج والالتحاق بالعمل، إلى جانب توسيع المنح والقروض للطبقات الوسطى والفقيرة، خاصة فئة المتفوقين من ذوي الدخل المحدود ، كما ويمكن عقد الشراكات الفاعلة مع القطاع الخاص ، ذلك بتشجيع الشركات على تمويل مقاعد جامعية لتغطية كلفة تعليم طلبة مقابل التزام الطالب بالعمل لديها، مما يضمن عائداً مباشراً على الاستثمار التعليمي.

والاهم احتياجنا الى إصلاح إداري داخل الجامعات ومحاسبتها على إدارة مواردها من خلال الحد من التعيينات والتوظيفات العشوائية، وتطوير آليات العمل لزيادة الكفاءة المالية والإدارية، مع التركيز على استثمار الأبحاث والابتكارات.

بقي ان اقول إن رفع الرسوم الجامعية في الأردن يعكس أزمة تمويلية حقيقية تواجه الجامعات، لكنه ليس الحل الأمثل. فالسياسات الحالية قد تؤدي إلى نتائج سلبية على العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، والمطلوب "حوار وطني شامل" من خلال فتح نقاش مجتمعي يشارك فيه صانعو القرار، الجامعات، الطلبة، والقطاع الخاص للوصول إلى سياسات تعليمية أكثر استدامة وعدالة ، ذلك للخروج برؤية استراتيجية شاملة للتعليم العالي، تقوم على التنويع في مصادر التمويل، وتعزيز الكفاءة الإدارية، وضمان حق جميع فئات المجتمع في الوصول إلى التعليم الجامعي كاستثمار وطني لا كعبء اقتصادي.

وأخيرا فان التعليم العالي ليس "بزنس"، ومن يحاول تحويله إلى تجارة خاسر في النهاية، فالدول تُبنى بالعلم لا بالجباية، وإذا لم تتحرك الحكومة والمجتمع لوقف مسلسل رفع الرسوم، فسنستيقظ يوماً لنجد أن الجامعات الأردنية لم تعد جامعات الشعب، بل جامعات الأثرياء فقط.

والله ولي التوفيق





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :