حين يكتب "جيل ٢٠٠٨" تاريخًا جديدًا في الثانوية العامة
فيصل تايه
28-08-2025 12:42 AM
قدمت نتائج «جيل ٢٠٠٨» في سنتهم الأولى من امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة (التوجيهي) لعام ٢٠٢٥ صورة مطمئنة ، في خطوة تمثّل أول ظهور لنتائج الصف الحادي عشر ضمن النظام الجديد ، حيث تمثل نتائج هذه المرحلة نسبة ٣٠ ٪ فقط من المعدّل النهائي، فيما الحُكم النهائي سيُكتَب صيف ٢٠٢٦ بعد استكمال نسب الطلاب في العام المقبل بعد احتساب وزن الصف الثاني عشر الى ذلك الحين ، لكن الإعلان الرسمي المبكر والصريح هذا اليوم مثل رسالة طمأنة إيجابية عززت ثقة الطلبة وأولياء الأمور بوضوح الرؤية التعليمية وشفافية اجراءات وزارة التربية والتعليم .
من الواضح أن الأردن مصمم على ان يعيد رسم معالم تعليمية عصرية تتسم بالمرونة والتكيّف ، لا بذاكرة اللحظة فقط ، فالنتائج توضح طريقة جديدة في التقييم أكثر شمولية واتساعًا واماناً وتتضمّن حق الطالب في رحلته تعليمية مرنة وعادلة ، بدلاً من التركيز على حقبة تعليمية في لحظة واحدة ووقت راهن ، اذ ان انطلاق النظام الجديد بهذه القوة يظهر كيف يمكن ان يكون تأثيره المبكر من خلال هذه النتائج المبشرة، ويوضّح كيف يمكن أن يتكامل التحصيل بين المرحلتين ، فالقيمة الحقيقية لنتائج اليوم في أنها «بوصلة مبكرة» تساعد الطالب على ضبط المسار قبل المنعطف الأهم.
ان دفعة ٢٠٠٨ بدأت مسارها الاول بشكل يبدو مشجعًا خاصة بعد الاعلان رسميا عن نسبة النجاح التي اظهرت ان نسبتها قاربت ٧٠% ، ذلك مؤشر على سقف تحصيلي مرتفع لبعض الطلبة ، لكننا وفي تحليل نقدي واقعي لنتائج اليوم فاننا رغم اننا لا نملك «المعدّل النهائي» بعد ، لكن وفي التفصيل وبحسب الفروع فقد أظهرت تفاوتًا ملحوظًا ، حيث كانت نسبة النجاح في الفرع العلمي بنحو ٧٠.٨% مقابل الفرع الأدبي ٥٤.٤% ، وبذلك فان الفوارق بين المسارات واضحة ومبكرة حيث ان الفرع العلمي أظهر أداء أفضل ، هذه الفجوة تعني أن ضبط الموارد التربوية (مدارس، معلمون، كتب، دورات تقوية) يجب أن يكون مخصّصًا حسب المسار، وإلا فسيزداد تباين نتائج القبول الجامعي لاحقًا.
بالمقابل فقد اظهرت النتائج تفوقاً واضحاً للأوائل ، فقد تم تسجيل حالات تفوّق عالية (طالب واحد بعلامة كاملة ونحو "٨٠ طالبًا" بدرجات قريبة جداً من الكاملة) ، اذ ان وجود درجات كاملة تقريبًا على هذا النحو يُبرز مستوى الإعداد الجيد للطلاب، ويشير إلى فعالية أدوات التعليم والدعم المقدّمة لهم ، لكن تبقى قراءات "من حقق المعدل الأعلى الآن" هي قراءات احتفالية لكنها أولية ، اما فيما يتعلق بارتفاع نسبة النجاح ، فلا يساوي تلقائيًا تحسّنًا كمّيًّا دائمًا في مستوى التحصيل .
ولعل من أسباب ارتفاع النسب ، هو تقليل عدد المباحث هذا العام، كما وان تحويل مبحثين إلى أسئلة اختيار من متعدد (أثر على الموضوعية)، حيث تركّز المادة على الكفايات الأساسية، وربما تأثير المراجعات المركزة والتحضيرات الاستباقية ، كل هذه العناصر ادت الى ارتفاع نسبة النجاح مرحليًا دون التأكيد أنها تدلّ على رفع نوعي في القدرة المعرفية لدى كل الطلاب.
اعتقد ان النتائج الآن هي فرصة تشخيصية تمنحنا بوصلة مفيدة ، فهي مؤشّر مبكّر وليست قرارًا نهائيًا لأن وزن ٣٠% يعني أن الصورة الرقمية النهائية لمعدل للطالب ستتشكّل بعد إضافة ٧٠%عام ٢٠٢٦ ، لذلك يجب أن نتعامل معها كـ«خارطة نقاط الضعف» لكل مدرسة ولكل طالب لتركيز الجهد في العام المقبل لأن وزن ٧٠% سيحدّد المصير الجامعي الحقيقي ، فالمعدل النهائي لم يُحسم بعد ، والحكم النهائي على مستوى نجاح الدفعة ومصيرها الجامعي يعتمدان على امتحانات الصف الثاني عشر الصيف القادم ، والعمل الجاد والموجه في العام المقبل هو مفتاح تحويل هذه البداية إلى نتيجة نهائية قوية.
بقي ان اقول إن هذا "النظام الجديد " نجح في عادة توزيع الجهد الدراسي للطلبة على عامين بدلًا من عام واحد، ما ساهم في تخفيف الضغط النفسي، وزاد من فرص الاستعداد المتدرج"، فالنتائج المبكرة "تؤكد أن التعليم الأردني يسير نحو تعزيز الجودة والإنصاف" ، ما يعطى أبناءنا حافزًا للاستمرار والعمل بجد في العام المقبل، وطمأنة للأسر بأن تعبهم لم يذهب سدى .
والله ولي التوفيق..