قانون الكهرباء الجديد ومواكبةً المستجدات
م. عبدالفتاح الدرادكة
30-08-2025 12:00 PM
شهد الأردن خلال العقدين الماضيين تحولات كبيرة في قطاع الطاقة، كان أبرزها إدخال مصادر جديدة ومتنوعة لتوليد الكهرباء، وتنامي دور الطاقات المتجددة، والتوسع في الاستثمارات الخاصة والعامة. وفي خضم هذه التطورات، جاء قانون الكهرباء الجديد رقم 10 لسنة 2025 ليحل محل القانون السابق رقم 64 لسنة 2002، في محاولة لمواكبة الواقع الجديد لقطاع الطاقة الكهربائية وتنظيمه بما يضمن تحقيق التوازن بين جميع الأطراف: الدولة، الشركات المرخص لها، والمستهلكين.
ورغم أن القانون مرّ بكامل مراحله الدستورية من مناقشات في مجلس النواب ومجلس الأعيان وصولاً إلى إقراره، إلا أن صداه في الشارع أحدث جدلاً واسعًا بين مؤيدين يرون فيه خطوة إصلاحية طال انتظارها، ومعارضين يصفونه بأنه يحمل في طياته أعباءً جديدة على المواطنين ويصبّ في مصلحة الشركات.
بحسب الأسباب الموجبة لمشروع القانون، فإن الغاية الرئيسية كانت:
1. تحديد مهام وزارة الطاقة والثروة المعدنية وصلاحياتها في رسم السياسات العامة لقطاع الطاقة الكهربائية والإجراءات المرتبطة به.
2. تعزيز دور هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن في مراقبة وتنظيم هذا القطاع، عبر منح التراخيص، وضمان الالتزام بأحكام القانون، ومتابعة أداء الشركات المرخص لها.
3. رفع كفاءة الخدمات الكهربائية وجودتها، والحد من الفاقد الكهربائي، والعبث بالشبكات.
4. مواكبة المستجدات مثل إدخال الطاقات المتجددة والتخزين الكهربائي والهيدروجين الأخضر.
هذه الأهداف، من حيث المبدأ، تبدو منطقية وتعكس حاجة حقيقية إلى التحديث، خاصة بعد أن أصبح الواقع الكهربائي أكثر تعقيدًا مما كان عليه في 2002.
ولم يمر القانون مرور الكرام، بل أثار موجة من الانتقادات. ويمكن تقسيم الآراء حوله إلى اتجاهين رئيسيين:
1. المؤيدون: يرون أن القانون جاء شاملاً ومواكبًا للواقع، حيث عالج قضايا مستجدة لم تكن موجودة سابقًا مثل التخزين الكهربائي والطاقات المتجددة، ووضع ضوابط تمنع الانفلات في بعض الجوانب الحساسة كالعبث بالشبكات والفاقد الكهربائي، الذي ينعكس سلبًا على كلفة النظام وبالتالي على التعرفة الكهربائية.
2. المعارضون أو المنتقدون: يصفهم البعض بأنهم “سوداويون” أو أصحاب أجندات تستهدف النقد لمجرد النقد، إذ ركزوا على اتهامات مثل:
• أن القانون سيفضي في النهاية إلى رفع التعرفة الكهربائية.
• أن فيه مبالغة في العقوبات المفروضة على بعض المخالفات.
• أن شركات التوزيع هي المستفيد الأكبر من بنوده.
إن هذه الانتقادات قد تعكس تخوفًا شعبيًا من أي تغييرات قد تُترجم على شكل ارتفاع في الفواتير، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة.
من اللافت أن المنتقدين لم يثيروا معظم هذه النقاط خلال مناقشات القانون في مجلسي النواب والأعيان، بل انتظروا حتى بدأ تنفيذه. وهنا يبرز تساؤل منطقي:
• لماذا لم تُطرح هذه المخاوف خلال مناقشات اللجان النيابية، وخصوصًا لجنة الطاقة، التي تضم نوابًا على قدر عالٍ من الخبرة القانونية والفنية؟
• أليس البرلمان هو الجهة المخولة بمراجعة هذه التفاصيل بدقة قبل تمرير القانون؟
الواقع أن القانون أُقرّ بعد مناقشة مواده مادةً مادة، وتم التصويت عليه بصورة نهائية، ما يعني أن العملية التشريعية أخذت مجراها الدستوري الكامل.وان النقاط التي اثيرت يمكن الرد عليها على النحو الاتي :-
1. العائد المناسب لشركات التوزيع
أثيرت انتقادات حول المادة (21) من القانون، التي نصت على “العائد المناسب” لشركات التوزيع. واعتبر البعض أن ذلك يُكرس امتيازات خاصة لهذه الشركات. غير أن الحقيقة أن النص ذاته كان موجودًا مسبقًا في القانون القديم (المادة 41/ج)، وبالتالي لم يكن إدخالًا جديدًا.
2. التعرفة الكهربائية
موضوع التعرفة من أكثر القضايا حساسية حيث ان القانون الجديد تعامل مع التعرفة بنفس تعامل القانون السابق من ناحية الامور الداخلة في كلف النظام لكن مع وضع اسس ومحددات مرتبطة بالمتغيرات الجديدة، مثل:
• التخزين الكهربائي.
• الهيدروجين الأخضر.
• استثمارات الطاقات المتجددة.
غير أن هذه المحددات قد لا تعني بالضرورة رفع الأسعار، بل ربما تساهم على المدى المتوسط والبعيد في خفض الكلف الكلية للنظام الكهربائي نتيجة انخفاض كلف الطاقة المتجددة والتخزين المتوقعة ، وبالتالي تقليل العبء على بعض القطاعات التجارية والصناعية.
3. الدعم البيني بين الشرائح
القانون ركز على تقليص الدعم البيني (Cross-subsidy) قدر الإمكان. هذا التوجه قد يكون في صالح القطاعات ذات التعرفة المرتفعة، مثل الصناعة والتجارة، حيث تُشكّل فاتورة الكهرباء جزءًا كبيرًا من كلفة الإنتاج. أي أن الهدف هنا هو تعزيز تنافسية الاستثمار في هذه القطاعات.
4. براءة الذمة عند بيع وشراء العقارات
أدخل القانون نصًا مهمًا يلزم بالحصول على “براءة ذمة” من شركات الكهرباء عند بيع أو شراء العقار. والسبب أن كثيرًا من المشترين كانوا يتفاجؤون بوجود ذمم مالية متراكمة أو مخالفات على العقار بعد نقل الملكية، ما يجعلهم غير قادرين على إيصال التيار. هذا النص جاء لحماية المشتري وضمان عدم تحمله التزامات لم يكن طرفًا فيها.
5. العقوبات
البعض وصف العقوبات الواردة في القانون بأنها مشددة. غير أن شدتها جاءت متناسبة مع جسامة الأفعال، خصوصًا العبث بالشبكات أو التلاعب بالعدادات، وهي أفعال تؤدي إلى خسائر بملايين الدنانير وتنعكس على التعرفة العامة. وبالتالي، فإن تغليظ العقوبات هدفه الردع لا العقاب فقط.
عند التعمق في نصوص القانون، يتضح أن المشرّع حاول إيجاد توازن دقيق بين ثلاثة أطراف:
1. الشركات المرخص لها: بمنحها ضمانات للاستثمار وتحقيق عائد مناسب.
2. المستهلكون: بحمايتهم من استغلال أو تحميلهم أعباء غير مستحقة.
3. المستثمرون الجدد: من خلال فتح المجال أمام مشاريع الطاقة المتجددة والتخزين.
كما أن إدخال موضوعات لم تكن مغطاة في القانون السابق – مثل الهيدروجين الأخضر والتخزين – يعد نقلة نوعية في التشريع، لأنه يُظهر استعداد الدولة لمواكبة التحولات العالمية في قطاع الطاقة.
في المحصلة، يمكن القول إن قانون الكهرباء الجديد رقم 10 لسنة 2025 لا ينبغي أن يُفهم باعتباره مجرد وسيلة لرفع الأسعار أو خدمة لمصالح ضيقة، بل هو محاولة لإعادة تنظيم قطاع معقد يواجه تحديات متزايدة.
نعم، قد تكون بعض المخاوف الشعبية مشروعة، لكن من الضروري أن يُنظر إلى القانون في سياقه الأشمل:
• تنظيم أفضل للقطاع.
• حماية المستهلك والمستثمر.
• تعزيز كفاءة النظام الكهربائي.
• مواكبة المستجدات التكنولوجية.
ويبقى نجاح هذا القانون مرهونًا بقدرة هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن على تطبيقه بعدالة وشفافية، وباستمرار الرقابة البرلمانية والشعبية للتأكد من أن أهدافه تخدم المصلحة العامة.
إنها خطوة إلى الأمام، لكنها تحتاج إلى وعي مجتمعي ورقابة فاعلة، حتى لا تتحول إلى مجرد نصوص جميلة على الورق، بل إلى واقع يلمسه المواطن والمستثمر في آن واحد.
والله من وراء القصد