البرنامج السياسي والتيار الثالث
د.امجد أبو جري آل خطاب
03-09-2025 10:51 AM
برز في انتخابات 2024 تياران واضحان المعالم: تيار اليمين ويمين الوسط، فيما غاب عن المشهد التيار الثالث المتمثل بيسار الوسط والتيار الديمقراطي. لقد كنت جزءاً من محاولات عديدة لتوحيد هذا التيار في قائمة انتخابية واحدة، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، ولا أود الخوض في تفاصيل تلك المفاوضات، بل سأتوقف عند أبرز العوامل التي حالت دون التوحد وصعبت اندماج هذه الأحزاب في إطار سياسي جامع، خاصةً مع تجدد الدعوات اليوم من أحزاب وشخصيات أردنية لتوحيد هذا التيار.
من اهم الأسباب هو الخلاف السياسي العميق بين اطراف التيار، والذي كان سبباً لتكوين شعور بعدم الثقة المتبادلة. فالأحزاب اليسارية التقليدية لم تر في الديمقراطية الناشئة ممثلاً لها، والعكس صحيح، مما جعل أي تقارب يبدو هشاً بالرغم من وجود توافق أولي في بعض البرامج القطاعية كالصحة والتعليم والنقل.
ايضاً تمسك القيادات التاريخية بمواقعها وإقصاء الشباب، ما أفقد هذه الأحزاب زخمها وحرمها من طاقات فاعلة كانت قادرة على تجديد الخطاب والاقتراب من نبض المجتمع الأردني الفتي الذي يحتاج إلى لغة سياسية عصرية وأدوات حديثة. اضافةً الى وجود إرث طويل من الخلافات الداخلية ظل يثقل كاهل تلك الأحزاب، حيث حملت القيادات تراكمات الماضي ولم تستطع تجاوزها، الامر الذي حال دون فتح صفحة جديدة قائمة على الثقة والشراكة.
كما ولا نغفل ضعف الموارد المالية، الذي انعكس مباشرة على الحملات الانتخابية والإعلامية فظل حضور هذه الأحزاب محدوداً وضعيف التأثير.
إلى جانب ما سبق، بقي التيار الثالث نخبوياً أكثر منه جماهيرياً، إذ لم ينجح في ترسيخ قاعدة اجتماعية واسعة تقف إلى جانبه بخلاف التيارات الأخرى التي استفادت من امتداد عشائري أو ديني أو اقتصادي أكثر وضوحاً.
وعليه، فإن أي محاولة جدية لإحياء هذا التيار أو توحيده لا بد أن تبدأ من الاعتراف بهذه المعضلات ومعالجتها بروح نقدية بعيداً عن إنكار الواقع أو انتظار معجزة سياسية لا ولن تأتي. حيث ان الإصلاح الحقيقي يبدأ من بناء الثقة الداخلية، وإفساح المجال للشباب، وتحديث الأدوات والخطاب، والانفتاح على المجتمع بمصالحه وتنوعاته، بدل الاكتفاء بدور النخب المغلقة.
إن التيار الثالث اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستمرار في الدوران داخل دائرة ضيقة من الخلافات والجدل الداخلي، أو الشروع في مراجعة جذرية تضع المصلحة الوطنية فوق الحسابات الحزبية والشخصية. فبدون جرأة في النقد الذاتي، وتنازل من القيادات التاريخية لصالح دماء جديدة، وانفتاح حقيقي على المجتمع، سيبقى هذا التيار غائباً عن المشهد السياسي، الامر الذي سيترك فراغاً سياسياً يضعف التجربة الديمقراطية الأردنية بأكملها.