كولومبيات .. الاسم يوحّدها والأخلاق تفرّقها
د. صالح سليم الحموري
05-09-2025 10:16 AM
حين تسمع كلمة "كولومبيا"، يتداعى إلى ذهنك أكثر من معنى وصورة. اسم واحد، لكنه يتوزع بين دولة في أميركا اللاتينية، وجامعة عريقة في نيويورك، وعاصمة سياسية تُدير العالم. جميعها تعود بجذورها إلى اسم البحّار كريستوفر كولومبوس، لكن ما أبعد المسافة بينها حين يكون الحديث عن الأخلاق.
في أواخر القرن الخامس عشر، أبحر كولومبوس باحثًا عن طريق جديد فاكتشف عوالم لم تكن معروفة لأوروبا. ومن اسمه وُلدت "كولومبيا" كرمز شعري للنهضة الجديدة. لم يكن الرجل ليتخيّل أن اسمه سيُقسم لاحقًا بين قارات وأمم، بين دولة تناضل من أجل الإنسانية، وجامعة ترفع راية المعرفة، وعاصمة تتلاعب بخيوط السياسة.
في جبال الأنديز وتحت سماء بوغوتا، حملت الدولة الكولومبية اسمها لتقف في كثير من المحافل الدولية مع الإنسان لا ضده. عانت صراعات داخلية مريرة، لكنها لم تتردد في إعلان مواقفها الواضحة دفاعًا عن قضايا العدالة، ومنها القضية الفلسطينية. حين صمت البعض، رفعت كولومبيا صوتها عاليًا، رافضةً للإبادة، مؤمنةً بأن الأخلاق تُترجم في الموقف.
على الضفة الأخرى من الأطلسي، تقف جامعة كولومبيا، إحدى أعرق الجامعات وأكثرها تأثيرًا في صناعة العقول وصياغة القرارات. خرّجت رؤساء ومفكرين وعلماء، لكنها حين وُضعت أمام امتحان الأخلاق انزلقت، إذ فتحت منابرها لدعم إسرائيل أو التواطؤ معها تحت شعارات البحث والسياسة.
هنا يتجلى التناقض: جامعة تُدرّس الفلسفة والحقوق، لكنها تغفل أبسط مبادئ العدالة حين يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني.
أما واشنطن العاصمة (District of Columbia) فهي قلب السياسة العالمية. تحمل الاسم نفسه، لكنها تجسد معادلة مختلفة تمامًا: المصالح قبل المبادئ، من هناك تصدر القرارات التي تمنح إسرائيل الغطاء السياسي والعسكري لمواصلة حربها على الفلسطينيين. ومن هناك تُختزل الأخلاق في لغة النفوذ، ويُضحّى بالعدالة على مذبح السياسة.
هكذا، بين كولومبيا الدولة، وكولومبيا الجامعة، وكولومبيا العاصمة، تتعدد الوجوه لاسم واحد:
• دولة تحمل همّ الإنسانية.
• جامعة ترفع شعارات المعرفة لكنها تتخلى عن العدالة.
• عاصمة تُدير العالم بمنطق المصالح لا المبادئ.
قد يلتبس الاسم، لكن لا يلتبس الموقف. فالتاريخ لا يرحم من خان الإنسانية، ولا ينسى من وقف في صفها.
لقد وُلد اسم "كولومبيا" من البحر مع كولومبوس، لكنه اليوم يُعيد تعريف نفسه: بين قاعة جامعة، ومكتب سياسي، وصرخة شعب يبحث عن العدالة.
"كولومبيا… الاسم واحد، لكن الامتحان الحقيقي للأخلاق يكشف من يقف مع الإنسانية ومن يبيعها في سوق السياسة."