الملكة رانيا .. حين تتحوّل غزة إلى مرآة ضمير العالم
فيصل تايه
06-09-2025 08:53 AM
في زمن يختلط فيه الحق بالباطل ، في لحظة يطغى فيها الضجيج على الحقيقة، ارتفعت كلمات جلالة الملكة رانيا العبدالله كنبضٍ حيّ لتشق صمتاً دولياً يثقل الضمائر ، يذكرنا بأن للإنسانية بوصلة لا يجب أن تضيع، اذا انها وأمام آلاف الشباب في قلب المكسيك، لم تكتف جلالتها بوصف المأساة ، بل جعلت من غزة عدسة أخلاقية يطل منها العالم على نفسه، مرآة تكشف عمق القيم الحقيقية وتفضح زيف الادعاءات.
لقد وصفت جلالتها حجم الدمار في غزة بأنه "كارثي" ، والوحشية فيه لا يمكن إنكارها ، في الكلمات هزّت جلالتها وجدان الحضور ، وصوّرت للعالم مشاهد بيوت تسحق تحت الركام ، وأطباء يتهاوون من الجوع وهم يحاولون إنقاذ الأرواح ، وصحفيين يدفعون حياتهم ثمنًا للحقيقة.
ان كلمات جلالتها لم تكن وصفاً جامداً ، لكن ما هو أعمق من الوصف أنها كشفت عن التناقضات الصارخة في عصرنا فكانت تلك الكلمات شهادة صريحة أمام التاريخ بأن هناك شعوباً "تُجوَّع" وتُحرم من شرايين الحياة في وضح النهار ، بينما يقف العالم على الهامش مستمراً في تبرير ما لا يمكن تبريره.
اننا وحين نقرأ خطاب الملكة نجد انه لم يكن مجرد صرخة ألم، أو رثاء أو بكاء على الأطلال ، بل كان دعوة لنهضة الضمير ، ولإعادة تعريف معنى "التحضر" و"القيادة" ، فقد وضعت إصبعها على الجرح حين قالت "هل يقاس التقدم بالناتج المحلي والقدرة الاقتصادية، أم بمدى رحمتنا في لحظات الشدة ، وفي زمن يساوي فيه العالم بين التفوّق الاقتصادي والتفوّق الأخلاقي "، اذ كشفت جلالتها ومن خلال ذلك أن هذه المعادلة مضللة، وأن القوة الحقيقية تكمن في إنسانيتنا لا في أرقامنا.
لقد اشادت جلالتها وسط هذا السرد القاسي، بومضة الأمل موجهة رسالتها للشباب حول العالم ، الشباب الذين كسروا جدار الصمت، والذين رفضوا أن يكونوا متفرجين ، الذين خاطروا بدراستهم ومستقبلهم وسمعتهم ليكونوا صوتاً لمن لا صوت لهم ، وشعروا بمعاناتهم بصدق ، هؤلاء الشباب، في نظر الملكة، جسّدوا الشجاعة الأخلاقية التي يحتاجها العالم أكثر من أي إنجاز مادي ، وأكثر من أي وقت مضى.
ومثلما جعلت من عمق إيمانها مرساها الأخلاقي ، في الوقت الذي يعلمنا الإسلام الرحمة والعدل وكرامة الإنسان ، قالت جلالتها مخاطبة للشباب : "ابحثوا عن مرساكم، تمسّكوا به ، فهو الذي يمنحكم القوة لتتعلموا من الآخرين دون أن تفقدوا ذاتكم" ، وهنا تحوّل الخطاب من سياسي وإنساني إلى روحي، ليذكر بأن القيم ليست شعارات بل بوصلة تحكم اختياراتنا اليومية.
وفي ختام حديثها، استشهدت بآية من القرآن الكريم تحذّر من العمى القلبي لا البصري: "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" ، في رسالة واضحة بأن الخيار بأيدينا دائمًا ، فإما أن نبصر بقلوبنا، أو نتركها تنطفئ في دوامة الصمت والتبرير ، وكأنها تقول: العالم يرى الدمار، لكن السؤال: هل قلوبنا ترى؟
وأخيرا فانا ارى ان خطاب جلالتها لم يكن مجرد مشاركة في مؤتمر شبابي ، بل كان وثيقة إنسانية، وجرس إنذار، ورسالة أمل في آن واحد ، فقد وضعت العالم أمام امتحان صعب ، إمّا أن نعيد تعريف إنسانيتنا، أو نستسلم لعالم تتساقط فيه القيم تحت ركام الحروب.
والله ولي الصابرين