صندوق التقاعد في نقابة المهندسين والطريق إلى الإنقاذ
م. عبدالفتاح الدرادكة
08-09-2025 01:13 PM
يُعد صندوق التقاعد في نقابة المهندسين الأردنيين حجر الزاوية في منظومة الأمان الاجتماعي والمستقبلي لمنتسبي النقابة. فهو ليس مجرد وعاء مالي، بل يمثل الحياة الكريمة للمهندسين المتقاعدين، كما يمثل الأمل والمستقبل للمهندسين الشباب. ويأتي تأسيس هذا الصندوق انسجاماً مع أحد أهم أهداف النقابة، كما نص عليه قانونها، وهو “تأمين الحياة الكريمة للمهندسين وعائلاتهم في حالات العجز والشيخوخة والحالات الاضطرارية الأخرى”.
منذ نشأة النقابة، كان إنشاء صندوق التقاعد ضرورة بديهية لضمان الحماية المستقبلية للمهندس الأردني. وقد انطلقت رؤية الصندوق من مفهوم التكافل بين الأجيال، إذ يساهم المهندسون العاملون في تمويل رواتب من سبقوهم بالتقاعد، على أمل أن يحظوا لاحقاً بالمثل.
في العقود الأولى من عمل الصندوق، وخصوصاً حتى نهاية القرن الماضي، كان يتمتع بحالة من “البحبوحة” المالية، مدفوعة بعدم وجود أعداد كبيرة من المتقاعدين، وبدفعات شهرية منتظمة من غالبية الأعضاء. كما استفاد الصندوق من بعض الاستثمارات الناجحة، خاصة في قطاع الأراضي، حيث شارك آلاف المهندسين بشراء أراضٍ بأسعار تضمنت هامش ربح أسهم في دعم رصيد الصندوق. ووصلت القيمة السوقية لموجودات الصندوق إلى 336 مليون دينار في عام 2014، و365 مليون دينار في 2015، وهي أرقام حقيقية وتمثل القيمة السوقية للموجودات.
كما كان الصندوق يقدم خدمات جانبية، مثل القروض السكنية وقروض الزواج وتوفير الأراضي وتقسيط شراء الاجهزة ومستلزمات الحياة، والتي عززت من علاقة المهندسين بالصندوق والنقابة وجعلت منهما مظلة خدماتية شاملة.
لكن المسيرة لم تخلُ من التعثر حيث ان تبني اجراءات غير مدروسة جيدا او ربما انها كانت بدوافع مصالح شخصية او لونية أسهمت بوضوح في تدهور أوضاع الصندوق ومنها على سبيل المثال لا الحصر
قرار وقف الإلزامية عام 1999، الذي حرم الصندوق من التدفق المنتظم للاشتراكات من كثير من الاعضاء سواء العاملين او غير العاملين والأعضاء الجدد.
الاستثمارات الفاشلة في الاسهم وشراء بعض الاراضي باسعار مرتفعة وعدم استطاعة تسويقها لاحقا ولغاية تاريخة
عدم استغلال البحبوحة الاقتصادية وبعد قفز اسعار الاراضي في عام 2006 الى ما يزيد على الثلاثة اضعاف وتوفر السيولة في تبني مشاريع استراتيجية ربحية توفر صمان استدامة واستمرارية الاستثمار الامثل الموجودات النقابة في حينة
ان الدراسات الاكتوارية التي قامت بها المجالس المتعاقبة لم تنبه الى المخاطر التي كان من المفروض ان تبين وقت وحجم المشاكل التي ستواجه الصندوق او انها قد تكون بينت الا ان المجالس المتعاقبة لم تقم بالاجراءات اللازمة لتلافي انهيار الصندوق.
وقد تقدم احد مجالس النقابة في العام 2015 بتقديم مقترح للهيئة العامة يتضمن إجراءات لو وافقت عليها الهيئة العامة في حينه لامكن على اقل تأجيل انكشاف الصندوق وعدم توفر السيولة اللازمة لتغطية رواتب المتقاعدين ولنكن اكثر صراحة حين نقول ان عدم تمرير تلك المقترحات في حينه كان لاسباب اصطفافات لونية اولا وعدم ثقة احد الأطراف بالطرف الاخر بسبب بعض الصفقات التجارية التي كان حولها شبهات فساد ،بالإضافة إلى صفقات شراء أراضٍ مشكوك في جدواها ، والاستحواذ على شركات خاسرة، كل ذلك قاد إلى فقدان الثقة بالصندوق، وتوقف الكثير من الأعضاء الجدد عن الاشتراك أو الاستمرار بالدفع، مما أدى إلى أزمة سيولة تفاقمت حتى عجز الصندوق عن دفع رواتب المتقاعدين في نهاية عام 2022.
قام مجلس النقابة في عام 2023 باقتراح تعديل على نظام صندوق التقاعد يتضمن اعادة الالزامية ورفع سن التقاعد ومنح الممارسين من المتقاعدين 50% من الرواتب التقاعدية ورفع الاشتراكات الشهرية الا ان محلس الوزراء استثنى من الالزامية المهندسين العاملين في القوات المسلحة والامن العام والدفاع المدني مما حرم الصندوق من مساهماتهم التي يفترض انها مضمونة وتساعد في توفير السيولة.
إن صندوق التقاعد ليس ملفاً ثانوياً في النقابة. بل هو جوهر رسالتها وأحد أسباب وجودها. ولذلك فإن ما صرّح به نقيب المهندسين من أن “النقابة ليست صندوق التقاعد” فقط يجانبه الصواب فأين كرامة المهندسين المتقاعدين التي يفترض ان توفرها النقابة لمتقاعديها الذين جار عليهم الزمن ولاننسى انهم وقبل وقف الالزامية كان معظمهم ملتزمين بالدفع وبعضهم يعانون من ضنك العيش بعد توقف الرواتب التقاعدية على ضوء ان جزء كبير منهم متقاعدون عسكريون او مدنيون ولم يكونوا خاضعين للضمان الاجتماعي ورواتبهم من التقاعد المدني ان وجدت لا تساعدهم على مواجهة متطلبات الحياة وينتظرون رحمة ربهم .
أما المطالبة بتصفية الصندوق، فهي دعوة رعناء وتنم عن أنانيه مفرطة لدى البعض لأنها تقوّض فكرة التكافل وتحوّل النقابة إلى مجرد هيئة خدمية ذات طابع محدود، أشبه بجمعية تعاونية فأين قوة القانون الذي يفترض بموجبه ان تتدخل الجهات الرسمية لان المشكلة تهم قطاع المهندسين الذي يزيد على 2% من مجمل السكان وتصل نسبتهم مع عائلاتهم الى 7% والذين يفنون زهرة شبابهم في خدمة الوطن ومنهم من يعمل مغتربا وفي زمن بحبوحته كان وما زال يحول العملة الصعبة التي تشكل ركنا اساسيا من اركان منعة الاقتصاد الوطني .
الصندوق لا يعاني من نقص في الموجودات، وإنما من أزمة سيولة ناتجة عن تناقص الاشتراكات وعدم انتظام الدفعات بالشكل الذي يغطي رواتب المتقاعدين ولو افترضنا ان 60% من عدد المهندسين المسجلين والعاملين سواء داخل الاردن او خارجه في النقابة ملتزم بدفع الحد الأدنى من الاشتراكات الشهرية لتم توفير الرواتب التقاعدية بل وفاض عن ذلك مبلغا يمكن استثماره بطريقة صحيحة بشكل يعزز من موجودات الصندوق وفي هذه الحاله ستعود الثقة الى الصندوق والعاملين عليه ومن الوارد جدا ان يكون هناك تشجيعا للبقية من الالتزام بالاشتراكات الشهرية وستتجلى قيمة الصندوق كصندوق تكافلي وتزدهر موجوداته وهذا لن يتأتى الا بتكاتف الجميع قدماء وجدد وحسب الاستطاعة ولنمهل الذين لا يعملون او الذين لا توجد لهم موارد شهريه لحين ايجاد العمل المناسب الذي يمكنهم من دفع الاشتراكات الشهرية ولنعتبر ان ذلك هو العنب ونترك الناطور ومحاسبته الى الوقت المناسب لاحقا .
ولإعادة الصندوق إلى وضعه الطبيعي، لا بد من خطة إنقاذ شاملة تتضمن ما يلي:
• مراجعة الأسباب الحقيقية التي دفعت المهندسين الجدد إلى العزوف عن الاشتراك، وايجاز الحوافز والتسهيلات لتشجيعهم على العودة والانتظام بدفع الاشتراكات .
• استغلال الموجودات الحاليه في الاستثمار في مشاريع كبرى استراتيجية مضمونة توفر هامش ربح يرفد الصندوق والتخلص او تسييل الموجودات الراكدة من اجل ذلك.
• ضبط المصروفات في النقابة، وإعادة ترتيب الأولويات بتقليص أعداد الموظفين، وتحويل الفوائض المالية من صندوق النقابة لدعم صندوق التقاعد ولحين استرداد عافيته .
• تعزيز الجانب الإعلامي والتوعوي لدى المهندسين وخاصةً منهم الجدد او الذين لا يثقون بصندوق التقاعد حول أهميته كأمان مستقبلي، خاصة في ظل مستقبل مجهول قد يطال حتى صندوق الضمان الاجتماعي.
إن مستقبل مهنة الهندسة في الأردن لن يكون آمناً ما لم يتم تأمين من خدموها طوال حياتهم. فصندوق التقاعد هو روح النقابة، وضمانة كرامة المهندس، وأي حل لا ينطلق من هذا الفهم سيكون مجرد تسكين لأزمة تتفاقم بصمت.
والله من وراء القصد