هل نشهد إجراءات تعيد للعرب اعتبارهم؟
د.امجد أبو جري آل خطاب
10-09-2025 04:41 PM
إذا ما استمرت الأحداث بهذا المنحى فإن ما يسمى بـ”الشرق الأوسط الجديد” لن يكون شرقاً اقتصادياً مزدهراً كما تم الترويج له سابقاً في شعارات السلام والانفتاح، بل سيكون شرقاً يعاد ترتيبه بقوة السلاح والتحالفات العسكرية.
ستصبح معادلة الأمن والسيطرة على الموارد هي المحرك الأساسي للسياسات، لا التنمية ولا التعاون الإقليمي. وهذا التحول يعني أن هوية المنطقة ترسم اليوم تحت ضغط القوة، وأن الدول الصغيرة والمتوسطة – ومنها الأردن – ستكون الأكثر عرضة لارتدادات هذا المشهد، سواء في بعدها الجغرافي أو الديموغرافي أو الاقتصادي.
لقد تجاوزت المنطقة مرحلة التوازنات السياسية التقليدية، ولم تعد اتفاقيات السلام قادرة على ضبط العلاقة مع كيان تحكمه قيادات متطرفة تتبجح علناً بمشروع “إسرائيل الكبرى”. هذا المشروع لم يعد شعاراً أو حلماً ايديولوجياً، بل تحول إلى سياسات عملية تنفذ على الأرض.
وهنا تتجلى معضلة هشاشة منظومة الدفاع العربية. فالعرب رغم امتلاكهم موارد بشرية هائلة وجيوشاً مدربة، وإمكانات اقتصادية ضخمة، لم يتمكنوا من صياغة جبهة دفاعية موحدة تردع التهديدات أو تحد من تغول الاحتلال. حيث بقيت المنظومة الأمنية العربية أسيرة الخلافات البينية والتجاذبات السياسية والحسابات الضيقة، مما جعلها عاجزة عن تحويل هذه القوة الكامنة إلى قوة ردع حقيقية. وفي ظل هذا الفراغ فلقد استطاعت إسرائيل أن تتمدد عسكرياً وسياسياً واعلامياً، حتى غدت قادرة على تهديد عواصم عربية كبرى دون أن تواجه رداً جماعياً يوازي حجم تماديها.
لم يقتصر التغول الإسرائيلي على فلسطين وحدها بل تمدد ليطال المنطقة بأسرها. فقد رأينا كيف وجهت اسرائيل ضرباتها العسكرية لقطر وسوريا ولبنان، وكيف جرى استهداف دول الخليج سياسياً واعلامياً، بل وحتى الدور الأردني ذاته لم يسلم من تصريحات اليمين الصهيوني التي تمس سيادته ومكانته. هذه الممارسات تؤكد أن أطماع الاحتلال في التوسع لم تعد مجرد نظريات أو سيناريوهات مستقبلية، بل أصبحت واقعاً يتحقق خطوة بعد أخرى.
من هنا، لم يعد يكفي الرد ببيانات استنكار أو تحركات دبلوماسية شكلية. إن المنطقة أمام لحظة مفصلية تتطلب إجراءات عملية على الأرض، سياسية واقتصادية وأمنية، تعيد للعرب اعتبارهم وتثبت أن مواجهة المشروع الصهيوني ليست دفاعاً عن فلسطين وحدها، بل عن مستقبل المنطقة بأكملها. فالخطر الذي كان ينظر إليه يوماً كاحتمال، أصبح اليوم حقيقة ملموسة تفرض على الجميع أن يكونوا على قلب رجل واحد.