facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عالم ينهشه العنف والنزوح


أ.د سلطان المعاني
11-09-2025 09:39 AM

يبدو المشهد الدولي في هذه المرحلة محاطًا بدوامة من النزاعات المسلحة التي تتوزع على أكثر من قارة، بحيث لم يعد العالم يعرف منطقة خالية من التوترات الممتدة أو الحروب التي تستنزف الموارد والأرواح معًا. الحرب الروسية الأوكرانية، الحرب المشتعلة في غزة، الاضطرابات المتجددة في إفريقيا والشرق الأوسط، كلها حلقات في سلسلة طويلة من العنف المعاصر، تذكّر البشرية بأن النظام الدولي لم ينجح بعد في تجاوز منطق القوة والسلاح إلى منطق التفاوض والعدالة.

الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت منذ عام 2022، ما تزال تقف في مركز الاهتمام العالمي نظرًا إلى حجم تداعياتها على الأمن الأوروبي والعالمي. روسيا التي ترى في توسع حلف الناتو تهديدًا وجوديًا، وأوكرانيا التي تسعى إلى تثبيت سيادتها وحماية حدودها، انخرطتا في نزاع دموي أدّى إلى دمار هائل في المدن الأوكرانية وفرض عزلة اقتصادية خانقة على موسكو. غير أن انعكاسات الحرب لا تتوقف عند حدود البلدين؛ فهي تعيد صياغة التحالفات الاستراتيجية بين الغرب وروسيا، وتدفع العالم إلى إعادة تسليح واسع النطاق لم يشهد مثله منذ نهاية الحرب الباردة. كما فجّرت هذه الحرب أزمة طاقة وغذاء عالمية، إذ تأثرت إمدادات الغاز والحبوب بشكل مباشر، ما انعكس على أسعار الطاقة والخبز من أوروبا إلى إفريقيا والشرق الأوسط.

أما في غزة، فإن الحرب القائمة منذ السابع من أكتوبر 2023 دخلت مرحلة تُوصف بأنها الأكثر دموية في الصراع العربي الإسرائيلي منذ عقود. الدمار الشامل الذي لحق بالبنية التحتية في القطاع، وسقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، يضع هذه الحرب في سياق إبادة جماعية وفق توصيفات منظمات حقوقية وإنسانية. إسرائيل تبرر عملياتها بحقها في الدفاع عن النفس، فيما يرى الفلسطينيون ومعهم جزء واسع من الرأي العام العالمي أنها حرب تهدف إلى اقتلاع شعب من أرضه، في استمرار لسياسات استعمار استيطاني ممتدة منذ عام 1948. هذه الحرب أعادت فتح الجرح الفلسطيني على نحو غير مسبوق، وأحيت تضامنًا عالميًا واسعًا، لكنها في الوقت نفسه عمّقت الشرخ بين شعوب المنطقة وأثارت موجات من الكراهية وعدم الاستقرار. إن ما يجري في غزة هو اختبار للقانون الدولي وفعالية المؤسسات الأممية التي تبدو عاجزة عن وقف المجازر أو فرض حلول سياسية عادلة.

في إفريقيا، تتعدد بؤر الصراع بحيث يصعب حصرها في جبهة واحدة. من السودان الذي يشهد حربًا مدمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع أدت إلى مقتل الآلاف وتشريد الملايين، إلى إثيوبيا التي لم تتعافَ بعد من صراع التيغراي، مرورًا بالكونغو ومالي والنيجر حيث تتناوب الجماعات المسلحة والجيوش النظامية على إشعال العنف. هذه الصراعات غالبًا ما تُغذّيها عوامل مركبة تشمل الفقر والتهميش العرقي والتدخلات الخارجية في الموارد الطبيعية، وخاصة اليورانيوم والذهب والنفط. والنتيجة أن القارة السمراء، التي يفترض أن تكون ساحة للنهضة والتنمية، تتحول إلى مسرح للفوضى والهجرة القسرية، حيث يُدفَع الملايين نحو النزوح الداخلي أو ركوب قوارب الموت باتجاه أوروبا.

الشرق الأوسط، بدوره، لم يخرج يومًا من دائرة التوتر. الحرب في اليمن ما تزال جرحًا مفتوحًا رغم المساعي الإقليمية للتهدئة، إذ يعاني الشعب اليمني من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم نتيجة الحصار والجوع والمرض. سوريا كذلك ما تزال تعاني من تداعيات حرب مدمرة تجاوزت عقدًا من الزمن، إذ لا حل سياسي شامل في الأفق، واللاجئون السوريون ما زالوا موزعين في مخيمات بلدان الجوار وأبعد منها. ليبيا أيضًا تعيش انقسامًا سياسيًا وأمنيًا يجعل من استقرارها حلمًا بعيد المنال. هذه اللوحة المظلمة تجعل الشرق الأوسط أحد أكثر المناطق اضطرابًا على وجه الأرض، حيث تتشابك الصراعات الداخلية مع التدخلات الإقليمية والدولية، لتنتج واقعًا دائمًا من العنف.

الملفت أن هذه الصراعات المتناثرة في الجغرافيا تتقاطع في نتائجها الكارثية على المدنيين. النزوح الجماعي صار العنوان الأكبر للعالم اليوم، حيث تجاوز عدد اللاجئين والنازحين داخليًا أكثر من مئة مليون إنسان، وفق إحصاءات الأمم المتحدة. هذا الرقم المهول يعكس حجم المأساة الإنسانية، ويطرح تحديات كبرى أمام المجتمعات المضيفة، ويؤجج بدوره أزمات سياسية واقتصادية في مناطق بعيدة عن الصراعات نفسها. أوروبا مثلًا تجد نفسها أمام موجات جديدة من الهجرة تضغط على أنظمتها الاجتماعية وتغذي خطاب اليمين المتطرف، بينما تتحمل دول فقيرة في إفريقيا والشرق الأوسط أعباءً لا طاقة لها بها.

ورغم كل الجهود الأممية والوساطات الإقليمية، فإن المعادلة ما تزال تميل إلى تغليب منطق السلاح على منطق الحوار. مصالح القوى الكبرى، وتناقض الحسابات المحلية، وعجز المؤسسات الدولية عن فرض حلول عادلة، كلها عوامل تجعل من الحروب وقودًا مستمرًا لا يخمد. ما يعيشه العالم اليوم يؤكد أن البشرية لم تتجاوز بعد دوامة العنف كوسيلة لحل النزاعات، وأن النظام الدولي الذي وُلد بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد قادرًا على لجم الانفجارات المتتالية أو صياغة قواعد جديدة أكثر عدالة واستقرارًا.

في هذا السياق، يصبح السؤال الملح كيف يمكن بناء نظام عالمي قادر على معالجة جذور النزاعات بدل الاكتفاء بإدارتها بعد اندلاعها. إن التحدي الحقيقي يكمن في تجاوز منطق الهيمنة والتسلح إلى منطق العدالة والتنمية، وإلا فإن العالم سيظل يدور في حلقة مفرغة من الدماء والدمار والنزوح، حيث تظل الأجيال القادمة رهينة لإرث من العنف لا ينتهي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :