facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العالم يصوت لصالح دولة فلسطينية


أ.د سلطان المعاني
13-09-2025 09:33 AM

صوّتت مئة واثنتان وأربعون دولة في الأمم المتحدة لصالح إقامة دولة فلسطينية، مقابل معارضة الولايات المتحدة الأمريكية وتسع دول تدور في فلكها، فيما اختارت اثنتا عشرة دولة الغياب. قد يبدو هذا المشهد في ظاهره إجراءً دبلوماسيًا روتينيًا، غير أنّه في حقيقته يعكس تحوّلًا عميقًا في ضمير العالم، ويضع علامة فارقة في مسار الصراع الطويل بين الشعب الفلسطيني ومشروع الاحتلال.

ويحمل هذا التصويت رسائل متعددة المستويات؛ أولها أنّ القضية الفلسطينية لم تعد أسيرة موازين القوى المباشرة ولا رهينة السلاح وحده، فقد أضحت قضية عدالة إنسانية كونية، وجدت صداها في برلمانات العالم وشعوبه. وهو إعلان صريح بأن سياسة الأمر الواقع التي اتبعتها إسرائيل على مدى عقود، لم تعد تحظى إلا بسندٍ ضيق محصور في الموقف الأمريكي، وأن العالم يتجه تدريجيًا إلى نزع الشرعية عن الاحتلال مهما تلبّس لبوس الدفاع أو ادّعى حقًا تاريخيًا.

في الوقت ذاته، تكشف الأرقام عن عزلة متزايدة للولايات المتحدة، التي ما زالت ترفع شعار "المفاوضات الثنائية" بعد أن استنفد هذا المسار نفسه وأثبت عجزه. فبقدر ما بدا التصويت موقفًا ضد إسرائيل، فقد كان في جوهره أيضًا محاكمة أخلاقية لموقف واشنطن، التي تخلّت عن صورة "الوسيط النزيه" لتصبح شريكًا معلنًا في إدامة الاحتلال. تلك العزلة الأخلاقية، وإن لم تنزع القوة المادية عن الولايات المتحدة، فإنها تهز صورتها أمام الرأي العام العالمي وتضعها في مواجهة الإرادة الجمعية للأمم.

أما الدلالات الأعمق، فهي أنّ فلسطين تحولت إلى رمز كوني للحق في تقرير المصير، وأن مشهدية التصويت أعادت الاعتبار لفكرة العدالة التي تقيس القيم الإنسانية. هذا التحوّل يضع إسرائيل أمام معادلة صعبة: فهي قد تملك أدوات السيطرة على الأرض، لكنها تفقد يومًا بعد آخر غطاء الشرعية الدولية، وتواجه عزلة متزايدة تهدد مشروعها بالانكشاف.

ويُنتظر أن يشكل هذا التصويت رافعة سياسية للفلسطينيين في مساعيهم نحو العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وأن يشجع دولًا أخرى على الاعتراف الثنائي بالدولة الفلسطينية، ما يفتح آفاقًا جديدة لتعزيز الموقف القانوني والسياسي. كما يوفّر هذا الانتصار الرمزي سندًا للتحرك في المحاكم الدولية ضد سياسات الاحتلال، ويمنح القضية الفلسطينية زخمًا معنويًا يتجاوز حدود الإقليم إلى وجدان الإنسانية جمعاء. لكن في المقابل، لا يُستبعد أن يثير التصويت ردود فعل متشددة من إسرائيل وحلفائها، عبر تشديد الحصار أو محاولة تعطيل مفاعيل القرار.

إنّ ما حدث اليوم ليس إعلان دولة بعد على الأرض، ولكنه شهادة ميلاد معنوية في ضمير العالم، ورسالة واضحة بأن العدالة قد تتعثر ولكنها لا تموت. وإذا استطاع الفلسطينيون والعرب أن يحسنوا استثمار هذه اللحظة، فقد يكون هذا التصويت حجرًا جديدًا في بناء صرح الدولة المنتظرة، ودليلًا على أنّ صبر الشعوب أمتن من بطش القوة، وأن التاريخ في النهاية ينحاز لمن يصرّ على البقاء والحق.

يطلّ الأمل من بين جدران هذا التصويت الأممي كنافذة مشرعة على المستقبل، فحين تقف أغلبية ساحقة من دول العالم لتقول "نعم" لفلسطين، فإنها تمنح شرعية رمزية، وتزرع في الوعي الجمعي للشعوب أن الحق لا يموت مهما طال الانتظار. هذا الأمل، وقد تكرّس بلغة الأرقام والأصوات، يعيد للفلسطينيين ثقتهم بأن مشروعهم الوطني لم يتبدّد، وأن العالم، على تباين مصالحه، ما زال قادرًا على أن ينحاز إلى العدالة حين تشتد الحاجة إليها. وإمكانية التحقق، وإن بدت عسيرة في ظل موازين القوى المختلّة، ليست بعيدة المنال إذا ما أُحسن استثمار هذه اللحظة التاريخية. فالدولة التي ولدت معنويًا في قاعة الأمم المتحدة تحتاج إلى جهد سياسي متواصل، وإلى وحدة داخلية تترجم الاعتراف الرمزي إلى خطوات عملية على الأرض. عندها يصبح الأمل رافعة للفعل، ويغدو التصويت الدولي منعطفًا يمهّد لبزوغ فجر الدولة الفلسطينية كحقيقة متجذرة في التاريخ والجغرافيا معًا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :