بعد عدوان قطر… ماذا ننتظر؟
م. عبدالفتاح الدرادكة
13-09-2025 02:30 PM
بعد أن تعرضت قطر لعدوان مباشر من الكيان الصهيوني، بات السؤال الكبير الذي يفرض نفسه: ماذا ننتظر بعد ذلك؟ هل ننتظر أن تعلن الحرب علينا دولةً دولةً وكياناً كياناً، بعد أن تهاوت آخر خيوط الوهم التي تتمسك بها بعض الأنظمة العربية، وكأنها زبد بحرٍ سرعان ما يتلاشى أمام أي موجة من أمواج الحقيقة القاسية؟ إن ما جرى يكشف بوضوح هشاشة الموقف العربي الرسمي، ويضع علامات استفهام كبرى حول جدوى سياسة التطبيع التي اندفعت فيها بعض العواصم .
الدول التي سعت للتطبيع مع الكيان العنصري، ولا تملك حتى حدوداً مشتركة معه، يفترض بها أن تكون في أمانٍ بعيدٍ عن الصراع المباشر، لأنها تمتلك مقومات السيادة والازدهار والقدرة على الاستقلال بقرارها. لكن المأساة تكمن في أن هذه الدول ما زالت تعتقد – وربما تتوهم – أن الكيان سيحترم المواثيق معها، وأنه سيتعامل بندّية أو على الأقل بمراعاة الحد الأدنى من الالتزامات. والحقيقة أن ما حدث مع قطر يفضح هذه الأوهام، فكيف يعقل أن يراعي الكيان اتفاقاته مع الغريب، وهو لم يحترمها مع من قربوا منه وأحسنوا إليه؟
إن الموقف أشبه ما يكون بقصة المثل العربي القديم “مجير أم عامر”. ففي القصة، قام الأعرابي بحماية أنثى الضبع (المعروفة بـ”أم عامر”) حين التجأت إليه منهكة من مطاردة الصيادين، فآواها وسقاها اللبن والماء، وأكرمها. لكن النتيجة كانت أن هذه الضبعة غدرت به، فنهشت لحمه وقتلته. إن الكيان الصهيوني ليس سوى “أم عامر” معاصرة، ينهش كل من يحسن إليه أو يمنحه الأمان، فالمصلحة وحدها هي التي تحدد سلوكه، ولا مكان عنده للقيم أو العهود.
من يستطيع إذن ردع “أم عامر” هذه؟ الكيان اليوم يتمادى لأنه محاط بضعفٍ عربي، وبدعمٍ مطلق من قوى كبرى. لكنه في الوقت ذاته، كيان لا يرحم حتى داعميه، بل يستنزفهم كما استنزف ألمانيا بملف “الهولوكوست”، وكما استنزف أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ولم يسلم حتى الحليف الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبحت خاضعة لابتزازه المالي والسياسي، بل ولتوريطه في حروب وصراعات لا تنتهي.
وادي عربة، أوسلو، كامب ديفيد… كلها شواهد تاريخية على أن الكيان لم يلتزم يوماً باتفاقية، ولم يوفِ بعهود. كل من وثق به خرج خاسراً، وكل من راهن عليه وجد نفسه ضعيفاً أمام نزواته التوسعية. فما الذي استفادته تلك الدول العربية التي طبّعت أو فتحت له الأبواب؟ بل ماذا جنت القوى الكبرى التي رعته سوى ابتزازٍ دائمٍ واستنزافٍ مستمر؟
الخلاصة أن الكيان الصهيوني لا يعرف سوى لغة المصلحة الذاتية، ولا يقيم وزناً لأي شريك أو حليف. ومن يظن أنه سيخرج مستفيداً من العلاقة معه فهو واهم. إنه كيان قائم على الاستغلال والابتزاز، وسيظل يمتص طاقات داعميه حتى آخر رمق. والسؤال الذي يبقى مفتوحاً أمامنا جميعاً: هل آن لنا أن نتوقف عن الركض وراء السراب، ونستفيق من وهم التطبيع، قبل أن نجد أنفسنا جميعاً فرائس جديدة بين أنياب “أم عامر”؟
والله من وراء القصد