أيمن الصفدي… الشخصية المتفرّدة في المشهد السياسي و الدبلوماسي
م. أحمد المجالي
13-09-2025 08:18 PM
أيمن الصفدي ليس مجرد وزير خارجية يؤدي واجبه الدبلوماسي ، بل هو مدرسة في العمل العام، وشخصية سياسية متكاملة تجمع بين الحنكة الإعلامية والثقافة الفكرية والصلابة السياسية.
بدأ مسيرته صحفياً ومفكراً، ثم تحوّل إلى صوتٍ رسميٍ للأردن، حاملاً على عاتقه مهمة تمثيل الدولة بمكانتها ورسالتها، ثم انتقل إلى ساحة الدبلوماسية حيث يحتاج السياسي أن يوازن بين الصرامة والمرونة ، فامتزجت عنده الخبرة الصحفية بالدقة السياسية والقدرة على صياغة الموقف بلغةٍ تصل إلى العقول والقلوب معاً ، فجمع بين وضوح الكلمة ودقة الفكرة. هو السياسي الهادئ المحنك الذي يعرف متى يرفع الصوت، والمثقف الذي يدرك أن المعركة ليست فقط على الأرض، بل أيضاً في وعي الشعوب وضمائر المجتمع الدولي. ما يميّزه أنه لا يختبئ وراء العبارات الإنشائية، بل يواجه العالم بلغته المباشرة ، فيضع الجميع أمام مسؤولياتهم بلا تردد.
وبحكم موقع الأردن الجغرافي الحساس ، وتاريخه الممتد في الدفاع عن فلسطين ووصايته الهاشمية على المقدسات، ومكانته التي لا تختزل ،فانه يحتاج إلى لسانٍ يليق برسالته.. وقد كان الصفدي هذا اللسان؛ صوتاً قوياً يعبّر عن وصاية هاشمية راسخة، وعن موقف أردني ثابت لا تزعزعه الضغوط.فلقد قدم صورةً للعالم أن الأردن ليس دولة مراقِبة للموقف، بل دولة موقف، وأنها رغم الأزمات والتحديات الاقتصادية والسياسية، لن تتخلى عن التزاماتها الأخلاقية والإنسانية،و لن تساوم على القدس، ولن تقف على الحياد حين يقع الظلم على أي دولة عربية.
أيمن الصفدي هو الشخصية التي تحمل ملامح الدولة الأردنية وعمقها ، ففي خطابه قبل أيام في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن، وفي ليلةٍ مشهودة، وقف مخاطباً العالم لا بلسان الدبلوماسية وحدها بل بلسان الضمير الإنساني العربي الأرني ، كان خطابه بياناً صادقاً يُذكّر العالم بمسؤولياته، ويُجلي الخيارات: إما الوقوف إلى جانب العدالة، أو أن تُسوِّد الأيام وجهاً آخر للتاريخ.
، فقد ارتقى بخطابه من مستوى البيانات المعتادة إلى مستوى المواقف التاريخية التي تُسجَّل في ذاكرة الشعوب، وقدّم بياناً سيظل محفوراً في ذاكرة كل من تابع المشهد. فخطابه لم يكن دفاعاً عن قضية فحسب، بل كان دفاعاً عن قيم إنسانية عالمية، فدعا إلى تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ليجعل الالتزامات قرارات مُلزِمة لا مجرد توصيات. كان خطابه صريحاً، متماسكاً، لا يعرف المواربة، كأنما أراد أن يقول للعالم : إن لم تقفوا مع العدالة اليوم، فلن يبقى للعدالة غدٌ تلوذون به...
هكذا كان موقف الصفدي: رؤية واضحة لا تشوشها الاجتهادات، ولغة صارمة لا تلين، ودعوة واضحة لا تحتمل الالتباس. إنه يُذكِّر العالم بأن التنكر للقانون الدولي ليس خيارات أو تحيّزات يمكن غضّ الطرف عنها، بل هو انتهاك مباشر لما يُفترض أن يجمع الأمم ،فهو لم يكتفِ بإدانة الانتهاكات على دولة قطر الشقيقة، بل طالب مجلس الأمن والمجتمع الدولي بتحمّل المسؤولية الفعلية. هذه المطالب ليست مجرد شعارات تُلقى، بل هي استدعاء مباشر للقانون، للأخلاق، ولضمائر الدول التي ما تزال تقف على استحياء من مواجهة الحقيقة..
وأما عن مكانة الأردن في خطابه فمتى ما قرأ العالم خطاب الصفدي، فسيقرأ فيه، أن الأردن لا تتردد في رفع الصوت عالياً عندما ينتهك أمن وسيادة الدول العربية الشقيقة، أو تُستباح المقدسات، أو تُهدَّد استقرارية منطقتنا العربية.. ففي لحظةٍ اختلطت فيها الحسابات ، اختار أن يقف في صفّ الحقيقة، وأن يجعل من صوت الأردن جداراً منيعاً أمام جميع الموجات،فكانت كلماته صرخة في وجه الصمت، وإدانة للجرائم، ومطالبة بمحاسبة المعتدي ووقف دعمه والتبرير .فقال بصوت كل أردني غيور لا حصانة لمجرم، ولا حياد أمام الدم. إنه خطاب سيظل شاهداً أن للأمة صوتاً لا ينكسر، وأن الأردن سيبقى من المدافعين عن الحق مهما تكالبت الموازين.. لقد أعاد الصفدي الاعتبار للكلمة كسلاحٍ أخلاقي ، وأثبت أن الأردن، مهما كان حجمه الجغرافي،فانه يملك وزناً سياسياً وأخلاقياً يفوق الحدود و يبقى كبيراً بمواقفه وصوته العالي الذي يصدح بالحق. فلتكن كلماته هذه بداية لقرارات لا تُقاس بالمناشدات، بل تُقاس بالإنفاذ، ، مؤكداً أن القانون الدولي لا يُجزّأ ولا يُستثنى منه أحد. إن خطابه هو امتداد لموقف الأردن التاريخي في الدفاع عن فلسطين والمقدسات، فالأردن، الذي يحمل عبء الوصاية الهاشمية على المقدسات، ويقف على خط التماس في القضية الفلسطينية، لا يملك رفاهية الحياد.
ومن هنا يأتي خطاب الصفدي امتداداً لموقف دولةٍ ترى في كل بقعة من البلاد العربية جزءاً من هويتها وواجبها . وهو رسالة إلى العالم أن العدالة لا تحتمل الانتظار،.
ما قاله الصفدي لن يتوقف عند قاعة المجلس.بل هو رسالة إلى الشعوب بأن الأردن ما زال في طليعة المدافعين عن الحقوق ، ورسالة إلى القوى الكبرى بأن الشعوب تقرأ المواقف وتحفظها، ورسالة إلى أن أي انتهاك لحدود أي دولة عربية شقيقة لن تمرّ بلا حساب.
وفي خاتمة الخطاب التي هزت الصمت، كان خطابه إعلاناً واضحاً أن الأردن لن يتخلى عن دوره التاريخي بوقوفه لجانب الدول العربية الشقيقة، وأن الكلمة الصادقة قد تتحول إلى سلاح يهزّ الصمت الدولي،ليعلو صوت الحق لا صوت المجاملة. وبذلك حجز لنفسه مكاناً في سجلّ المواقف التي لا تنسى، وجعل من مجلس الأمن منبراً يصدح فيه الأردن باسم العدالة والحق:
حفظ الله أمتنا العربية والإسلامية من كل سوء وجمع كلمتها على الحق والخير ، وحفظ الله قطر وفلسطين وسائر بلادنا من الفتن والمحن ،وجعل حاضرها عزا ً، ومستقبلها أملاً، وأيامها القادمة رخاءً وتمكيناً ، إنه ولي ذلك والقادر عليه..