facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العلم والرؤية والمصير


أ.د سلطان المعاني
16-09-2025 11:42 AM

تستوقفنا اليوم أسئلة المصير أكثر من أي وقت مضى، إذ تتشابك التحديات وتتقاطع الأزمنة لتضع الأجيال الصاعدة أمام امتحان لم تصنعه أيديها، لكنه إرثٌ ثقيل موروث من قرون من الانقسام والتردد والتأجيل. فإذا كان الماضي قد انقضى بدروسه، والحاضر يتدفق بضغوطه، فإن المستقبل يظل المساحة التي نستطيع أن نترك فيها بصمتنا، شريطة أن نمتلك أدوات العلم، وضوح الرؤية، والقرار الجمعي المستند إلى وحدة المصير والشجاعة في الفعل.

العلم أول هذه الأدوات، باعتباره الرافعة التي تُحرّك الأمم إلى مصافّ الفاعلين. فالعلم هو شرط وجود في عالم لا يعترف إلا بمن يملك ناصية المعرفة ويحوّلها إلى إنتاج وقوة. وما لم ندرك أن التعليم هو الاستثمار الحقيقي، وأن البحث العلمي هو الطريق الوحيد للاستقلال، سنبقى أسرى التبعية مهما امتلكنا من ثروات أو رفعنا من شعارات.

لكن العلم وحده لا يكفي ما لم يكن مؤطراً برؤية واضحة، تُحدد الهدف وتضيء الطريق. فالرؤية حالة وعي عميق بما نريد أن نصبح عليه، وكيف نترجم طاقاتنا إلى مشروع حضاري. فالأمم التي نهضت لم تكن أكثر عدداً ولا أغزر ثروة، لكنها امتلكت رؤية تستند إلى وعي ذاتي ومعرفة دقيقة بزمانها ومكانها. ومن دون وضوح الرؤية نظل نتخبط بين اللحظات ونكرر تجاربنا الفاشلة، وكأننا لم نتعلم شيئاً من التاريخ.

أما القرار الجمعي، فهو جوهر الفعل السياسي والاجتماعي؛ إذ لا قيمة للعلم ولا للرؤية ما لم تتحول إلى إرادة جماعية تُترجم إلى سياسات وأعمال. إن الأمم التي تعيش التردد والانقسام تبقى عرضةً للتفكك، مهما كثر فيها المتعلمون وتعددت الرؤى. والقرار الجمعي ليس مرادفاً للإجماع المطلق الذي قد يكون مستحيلاً، ولكن هو القدرة على صياغة توافقات كبرى تحفظ وحدة المصير وتسمح بالتنوع في التفاصيل. وهذا ما يميز الأمم الحيّة التي تفهم أن مصيرها لا يتجزأ، وأن قوتها في قدرتها على اتخاذ القرار المشترك.

ثم تأتي الشجاعة لتكون صمام الأمان الذي يحمي كل ما سبق. فكم من رؤية طُرحت وكم من مشاريع عُرضت، لكنها تهاوت عند أول مواجهة لأنها افتقرت إلى الشجاعة. الشجاعة أساساً شجاعة فكرية وأخلاقية، شجاعة في الاعتراف بالأخطاء، وفي اتخاذ القرارات الصعبة، وفي مقاومة الإغراءات التي تدفع إلى التبعية والخذلان. ومن دون هذه الشجاعة تبقى الرؤية حبيسة الورق، والعلم مجرد أرقام، والقرار الجمعي صدى بلا أثر.

إن ما نتركه للأجيال الصاعدة يُقاس بما نورثهم من بنى معرفية، مناهج تفكير، وأرضية صلبة يستطيعون أن يشيدوا عليها ما يستحق الامتنان. فالأجيال القادمة لن تشكرنا على الخطابات ولا على الوعود، وإنما بما مهدنا من طريق، وعلى ما نكون قد أنجزناه فعلاً من تأسيس لمؤسسات علمية قوية، وتربية على وعي ناضج، وإرادة حرة تُصان بها الكرامة.

ولعل أعمق ما يمكن أن نمنحه لهذه الأجيال هو الإيمان بوحدة المصير. فالزمن الذي نعيشه يكشف بوضوح أن الأفراد مهما علا شأنهم، والدول مهما كبر حجمها، لا تستطيع أن تواجه تحديات العالم وحدها. وحدها الوحدة القائمة على العلم والرؤية والقرار المشترك، المدعومة بالشجاعة، هي التي تُحصّن المجتمعات وتجعلها قادرة على أن تصوغ مكانتها بين الأمم.

إنّ واجبنا اليوم هو أن نبني للمستقبل. أن نكون الجسر الذي يمر عبره الجيل الصاعد إلى فضاء أرحب، لا أن نكون العبء الذي يجرّه إلى الخلف. وإذا تحقق لنا ذلك، فإن أبناءنا وأحفادنا سوف يروا فينا نقطة تحولٍ صنعت لهم أفقاً يستحقون أن يشكرونا عليه، ويبنون فوقه صروحاً أعظم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :