نقابة الصحفيين تقود معركة “لحماية المهنة” من الفوضى
د. حسين سالم السرحان
17-09-2025 12:55 AM
بلغ عدد الأشخاص المحالين إلى النائب العام ممن يمارسون أعمالًا صحفية بشكل مخالف للقانون 128 شخصًا، في خطوة تُعد الأولى من نوعها بهذا الحجم والوضوح، قدمت خلالها الوحدة القانونية في نقابة الصحفيين الأردنيين مؤخرًا قائمة جديدة تضم 95 شخصًا من أصحاب الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ممن يمارسون أنشطة صحفية وإعلامية دون صفة قانونية. ويُعد هذا التحرك موقفًا حاسمًا في مواجهة الفوضى الإعلامية، وانتحال صفة الصحفي، الذي بات ظاهرة تُهدد هيبة المهنة وصدقيّتها أمام المجتمع.
هذا الإجراء الحازم، الذي أعلنه نقيب الصحفيين الأستاذ طارق المومني، يؤكد أن النقابة ليست على الهامش، بل تخوض معركة حقيقية للدفاع عن المهنة والعاملين فيها، في مواجهة العبث اليومي الذي يُمارس تحت عناوين “الإعلام الجديد” أو “النشاط الإعلامي”. وقد شدد المومني على أن النقابة ماضية في اتخاذ كل الإجراءات القانونية ضد من ينتحلون صفة الصحفي، لافتًا إلى أن هذه الظاهرة لا تُسيء فقط إلى الصحافة، بل تُقوض ثقة الجمهور بالمحتوى الإعلامي، وتفتح الأبواب أمام الفبركة، والانفلات، والابتزاز، في غياب الحد الأدنى من المهنية.
واللافت أن هذه القائمة تُعد الدفعة الثانية التي تُحال إلى النيابة العامة، بعد دفعة أولى ضمت 33 شخصًا، وذلك ضمن عمل لجنة حماية المهنة التي شكّلها مجلس النقابة، والتي ما تزال تتابع رصد المخالفات وتوثيقها تمهيدًا لملاحقة قانونية شاملة. وهذا يؤكد أن ما نشهده ليس مجرد حالات فردية، بل ظاهرة متنامية تتطلب ردعًا قانونيًا، وموقفًا مؤسسيًا واضحًا يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، ويحفظ للمهنة مكانتها وللمجتمع ثقته بالإعلاميين.
لقد أفرزت المنصات الرقمية ما يمكن تسميته بـ”المنصات الفردية” التي تمنح من لا يملك الكفاءة ولا الحد الأدنى من أدوات التعبير، سلطة افتراضية تضاهي في أحيان كثيرة المنابر الإعلامية المحترفة. وبينما يفترض أن تسهم هذه المنصات في توسيع نطاق المشاركة والتعبير، تحوّلت للأسف إلى مساحات للفوضى والتجاوزات، حيث ظنّ البعض أن امتلاك هاتف بكاميرا وعدد من “المتابعين” يكفي لصناعة إعلامي أو صحفي، دون أي وعي بمعايير المهنة أو مسؤوليتها.
بل الأخطر من ذلك، أن بعض منتحلي الصفة باتوا يستخدمون هذه المساحات للتشهير، أو الإساءة، أو حتى الابتزاز، في مشهد مشوّه لا علاقة له لا بالصحافة، ولا بحرية التعبير. ومن هنا، فإن قرار النقابة لا يُشكّل قيدًا على الحريات، بل ضمانة قانونية ومهنية لممارسة إعلامية نظيفة، واضحة الحدود، ومنضبطة بأخلاقيات المهنة.
فالصحافة ليست مهنة من لا مهنة له، بل مهنة جادة، لها شروطها وقواعدها وأخلاقياتها. والاحترام الحقيقي لها لا يكون بالشعارات، بل بمنع من يسيئون إليها أو يحاولون اختراقها لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المهنة والمجتمع.
وفي هذا السياق، فإن موقف نقابة الصحفيين الأردنيين وتعاونها مع النيابة العامة يُعيد الاعتبار لدور “السلطة الرابعة”، ويُؤكد أن زمن الفوضى الإعلامية لا يمكن أن يستمر دون مساءلة ومحاسبة. ومن هنا، فإن كل صحفي حقيقي، وكل مؤسسة إعلامية ملتزمة، تُدرك أهمية هذا القرار، وتدعمه، لأنه يحمي الصحفي، والمهنة، والجمهور معًا.
وفي الوقت ذاته، يجب التأكيد على أن من لديه الرغبة الحقيقية في دخول هذا المجال، فالباب ليس موصدًا؛ إذ يمكنه تطوير مهاراته، والانخراط في برامج تدريبية وأكاديمية متخصصة، والانطلاق لاحقًا من بوابة المهنية والالتزام، وليس من بوابة الفوضى والاستعراض.