في زمنٍ تتشابك فيه خيوطُ الإمبرياليةِ القديمة بثوبٍ جديد، تقف امرأةٌ مهاجرة، بملامح صومالية وذاكرةٍ لاجئة، لتذكّر العالم بأنّ الحرية ليست هديةً من مستعمِر، بل حقٌّ يُنتزع. إنّ النائبةَ الأمريكية إلهان عمر لا تمثّل جاليةً فحسب ولا دائرةً انتخابيةً في مينيسوتا؛ إنها تحمل على كتفيها تاريخًا من القهر والمقاومة، وتعيد إلى الواجهة أسئلةً كبرى عن معنى "المواطنة والعدالة" في قلب الإمبراطورية الأمريكية نفسها.
حين يشنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هجومًا لاذعًا عليها، مطالبًا بعزلها ومحمّلًا إياها أكاذيب بالية، فهو لا يهاجم فردًا بقدر ما يهاجم رمزًا. يلوّح بجرح الصومال، متناسيًا أنّ جزءًا من هذا الجرح صاغته سياسات الهيمنة نفسها. إنّ هذا الخطاب ليس سوى صدى لصوتٍ أوسع: صوت إمبراطورية اعتادت أن تُملِي على الشعوب كيف تعيش، وأن تحاسب المقهورين على ماضٍ ساهمت هي في تمزيقه.
من طفلةٍ قضت سنواتها الأولى في مخيّمات اللجوء، إلى مشرِّعةٍ تجلس تحت قبة الكونغرس، قطعت إلهان عمر مسافةً لا تُقاس بالأميال، بل بالإرادة. هي ابنةُ الجنوب العالمي التي تذكّر سادةَ البيت الأبيض بأنّ «العالم لا يُدار من واشنطن وحدها»، وأنّ صوت اللاجئ يمكن أن يتحوّل إلى صوتٍ مشرِّعٍ يكتب القوانين ويحاسب الرؤساء. تردّ على من يقول لها «عودي إلى بلادك» بأنها أصبحت من صانعي القرار في بلادهم، وبأن المواطنة ليست منحةً من «رجلٍ أبيض»، بل عقدٌ اجتماعيٌّ تكتبه الشعوب بعرقها ودمها.
الإمبريالية اليوم ليست جيوشًا وأساطيل فحسب؛ إنها أيضًا سرديّاتٌ تحتقر ذاكرة المستضعفين وتُقصي المختلفين. بصوتٍ واضحٍ ضدّ الحروب، وضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وضدّ لوبيات السلاح، تمثّل إلهان عمر تحدّيًا لهذه السيطرة الناعمة والخشنة معًا. والهجوم عليها يفضح خوف مراكز القوة من أيّ صوتٍ يخرج عن نصّ الهيمنة، من أيّ امرأةٍ تحمل لون الجنوب وتتكلّم بجرأة الشمال.
ومعركتها ليست أمريكيةً فقط؛ إنها جزءٌ من معركةٍ إنسانيةٍ أوسع ضدّ منظومات القمع والاستغلال في كل مكان. من فلسطين إلى أفريقيا، ومن أميركا اللاتينية إلى آسيا، يتردّد صدى موقفها: قولُ كلمةِ الحقِّ في وجه سلطةٍ متعجرفة، وفضحُ ازدواجيةٍ تُحوّل ضحايا الإمبراطورية إلى متَّهمين إلى الأبد. لا تكتفي بالاعتراض، بل تقدّم نموذجًا لمقاومةٍ جديدة: مقاومةٍ بالكلمة، بالتشريع، وبحضورٍ سياسيٍّ لا ينحني أمام المال ولا أمام الإعلام المُسيَّس.
في كلّ هجومٍ عليها، تكشف الإمبراطوريةُ عن خوفها من امرأةٍ كسرت قيود الجغرافيا واللون والدين. تذكّر الأحرار بأنّ المقاومة ليست بندقيةً فقط؛ هي أيضًا "منبرٌ وقانونٌ وصوتٌ يرتجف له عرشُ القوة".
اليوم، وهي تواجه خطاب الكراهية من أرفع منصبٍ في أقوى دولة، تقول إلهان عمر بصلابةٍ إنسانية:
لسنا غرباءَ عن العالم؛ أنتم الغرباءُ عن العدالة.
لن نصمت.
لن نُختزل في أصولنا.
لن نُطرَدَ من التاريخ.
إنها صرخةُ المستضعفين في وجه آلة الاستعمار المتجددة:
لسنا رعاياكم ولا صدى أوامركم؛ نحن التاريخَ القادم، والعدلَ الذي لا يُقهَر.