facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الذكاء الاصطناعي: متى يتحول التخصيص إلى تلاعب؟


د. رائد عودة
20-09-2025 01:15 PM

تبحث عن رحلة طيران. تعود بعد ساعة لتجد أن السعر قد ارتفع. هل السبب هو زيادة الطلب؟ أم أن خوارزمية الذكاء الاصطناعي قد قررت أنك جاهز لدفع المزيد؟ هذا ليس خيالًا علميًا، بل هذا أحد أوجه "التخصيص" بالذكاء الاصطناعي وهو يتسلّل بهدوء إلى آليات التسعير.

ولكن يلزم هنا التمييز بين مفهومين يخلط بينهما الكثيرون: "التخصيص" و "التلاعب". فالأول يضيف قيمة للعميل، والثاني ينتزعها منه خلسة. وهذا الفرق مهم للغاية، وخصوصًا إذا كنت تعمل في مجال يعتمد تسعيره على الذكاء الاصطناعي أو تشتري أي شيء عبر الإنترنت.

ويعتمد التخصيص على البيانات ذات الصلة لتقديم تجربة أفضل وخيارات أنسب، وكأنك تتعامل مع موظف في متجر يعرف مقاسك وذوقك ويقترح عليك ما يناسبك فعلًا.

أما التلاعب فيُخفي القواعد ويتتبع الإشارات التي لم تدرك أنك كنت تُرسلها أو تتركها، ويستخدمها لابتزاز المزيد من المال منك. وهذا يشبه البائع الذي يقرر رفع السعر لأنك تبدو أنك تقدر على الدفع. وللتلاعب علامات، منها: أنه يحدث دون أن تدري، ويعتمد على بياناتك الحساسة أو غير ذات الصلة، ويقلل من خياراتك بدلًا من توسيعها، ويؤدي إلى تآكل الثقة عند اكتشافه.

ومؤخرا، أصبحت شركة دلتا للطيران الأمريكية ونظامها الجديد لتسعير التذاكر عبر الذكاء الاصطناعي محور جدل كبير في النقاش الدائر حول التخصيص مقابل التلاعب. وبينما تقول الشركة إنها تستخدم أدوات ذكاء اصطناعي تعتمد على تحليل اتجاهات السوق العامة والمجهولة المصدر لتقديم توصيات بالأسعار، على أن يظل القرار النهائي في أيدي بشرية، تتزايد المخاوف من تحوّل ذلك إلى ما يُسمّى "تسعير المراقبة"، حيث ترتفع الأسعار استنادًا إلى إشارات مثل: تكرار البحث عن الرحلة نفسها، أو البحث ليلًا، أو حجز تذكرة باتجاه واحد في اللحظة الأخيرة، أو الحجز قبل أيام قليلة من المغادرة. وعندما تُجمع هذه التلميحات السلوكية بشكل كافٍ، يمكن للخوارزمية أن تقدّر بالضبط المبلغ الذي أنت على استعداد لدفعه.

وقد أنكرت شركة دلتا بشدة أنها تستخدم البيانات الشخصية لتحديد أسعار فردية وأكدت أن نظامها مصمّم لتحسين الأسعار بناءً على طلب السوق وليس على بيانات شخصية. ومع ذلك، حذّرت الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة من أن استخدام بيانات شخصية لتحديد الأسعار سيؤدي إلى فتح تحقيقات مع الشركات المتورطة.

ويمكن لشركات الطيران أن تتعلم من تجارة التجزئة عبر الإنترنت. وقد وُثّقت أمثلة كثيرة على توجيه الأسعار والتمييز في مواقع التجارة الإلكترونية الكبرى، سواء بربط ذلك بنوع الجهاز، أو سجل التصفح، أو حالة الحساب. ولقد رأينا العديد من الأمثلة لهذا الانزلاق عندما يتحوّل التخصيص إلى تلاعب.

فعلى سبيل المثال، تُقدّم شركة أوبر العالمية أسعار "مُسبقة" بزعم مزيد من الشفافية، لكن أشارت الدراسات إلى أن الخوارزميات المستخدمة تراعي "القدرة على الدفع"، فيرتفع السعر من دون فائدة واضحة للسائق بينما تزيد عمولة الشركة. ويعرض موقع شركة أوربيتز فنادق أغلى لمستخدمي أجهزة ماك فقط لأنهم "عادةً" يدفعون أكثر. وفرضت شركة ستابلز أسعارًا أعلى على العملاء البعيدين عن متاجر منافسيها. أما شركة أمازون فقد اختبرت أسعارًا مختلفة لنفس المنتج لعملاء مختلفين وتبع ذلك غضب واسع، وتراجعت الشركة وأُعيدت الأموال.

ورغم اختلاف الصناعات، يظل نمط التلاعب واحدًا:

بيانات سلوكية وشخصية ← استدلال قيمة ← سعر "مُخصّص".

إذن، ما الذي يجب أن تفعله الشركات؟ عندما تستخدم شركة ما الذكاء الاصطناعي لتحديد الأسعار، فأمامها خياران: إمّا أن تُبقي العملية ضمن إطار التخصيص، أو أن تنجرف إلى التلاعب. ولكي لا تنجرف إلى التلاعب فعليها أن تفعل التالي: شرح طريقة التسعير حتى لا يبقى العميل في الظلام، واعطاء العميل حرية اختيار مدى التخصيص الذي يريده، وفحص النظام دوريًا للكشف عن التحيز حتى غير المقصود منه ويُفضّل أن يكون ذلك من جهة مستقلة، والمبادرة باعتماد معايير أخلاقية داخلية قبل أن يفرضها القانون. وهذا يمثّل حدًا أخلاقيًا أدنى للتخصيص، وتجاهله يعني تجاوز الخط الأحمر.

وعندما لا تحترم الشركات الخط الفاصل بين التخصيص والتلاعب، فعلى الجهات التشريعية والتنظيمية أن تؤدي دورها لحماية المستهلك. ومن ذلك: اجبار الشركات على الإفصاح إن كانت الأسعار مخصصة ولماذا، ومنع استخدام البيانات الحساسة، مثل الحالة الصحية أو الدخل أو مكان السكن، في التسعير، والقيام بمراجعات مستقلة لرصد التحيز والتمييز، ووضع عقوبات تفوق أي مكاسب قصيرة الأجل للتسعير التلاعبي.

ولكن، ما الذي يمكننا فعله كعملاء؟ بداية، يجب أن ندرك أننا لسنا بلا حول ولا قوة وأننا نستطيع القيام بالكثير لحماية أنفسنا من التلاعب. فمثلا، نستطيع التسوّق باستخدام التصفح المتخفي مع مسح ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز". وبإمكاننا مقارنة الأسعار من أجهزة مختلفة وحتى باستخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) لنعرف إن كان موقعنا يؤثر على السعر. ونستطيع رفض خيار التخصيص عندما يكون ذلك ممكنًا. ويجب أن نعبّر دائما عن رفضنا للتلاعب، فقد أدّت ردود الفعل الجماعية من المستهلكين إلى اجبار الشركات على التراجع من قبل.

وختاما، فإن التسعير بالذكاء الاصطناعي ليس أمرًا سلبيًا بحد ذاته، بل قد يكون وسيلة تجعل تجربة التسوق أكثر كفاءة وسهولة إذا جرى تطبيقه بالشكل الصحيح. أما إذا استُخدم بطريقة ملتوية، فإنه يتحول إلى وسيلة خفية لاستنزاف أموال المستهلكين.

والمسألة أوّلًا وأخيرًا أخلاقية قبل أن تكون تقنية.

* مساعد الأمين العام للشؤون العلمية والتكنولوجية، المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا - قائم بأعمال رئيس المركز الوطني للابداع

r.awdeh@hcst.gov.jo





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :