قطر بين ادعاءات نتنياهو وخيارات الرد
م. وائل سامي السماعين
21-09-2025 04:08 PM
لم يكن القصف الإسرائيلي الذي استهدف الدوحة حدثًا عسكريًا عابرًا، بل رسالة سياسية مباشرة حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاحقا تبريرها بادعاءٍ زائف مفاده أن قطر تموّل حركة حماس. هذا الادعاء يتجاهل حقائق موثّقة: فالمساعدات القطرية إلى غزة، منذ عام 2018، جرى إدخالها بعلم إسرائيل وبتنسيق مع الأمم المتحدة، وضمن آليات رقابية صارمة شملت رواتب الموظفين المدنيين والوقود للفقراء. حتى وسائل الإعلام الإسرائيلية أقرت بأن “حقائب النقد” كانت تمر عبر المعابر بموافقة رسمية من حكومة تل أبيب، ما ينسف رواية “التمويل غير المشروع” التي يسوقها نتنياهو.
وفي احيانا كثيرة يطرح مبدأ غير القاددر او غير الراغب (Unwilling or Unable) في الفقه القانوني الدولي باعتباره مبررًا للتدخل عبر الحدود، ومفاده أن الدولة التي تعجز أو تمتنع عن منع جماعة مسلّحة من استخدام أراضيها لمهاجمة دولة أخرى، قد تُواجَه بتدخل عسكري خارجي. وقد استندت بعض الدول إلى هذه الحجة في حالات مرتبطة بجماعات إرهابية في سوريا أو أفغانستان. غير أنّ هذا الأساس لا ينطبق على قطر، فهي لم تكن يومًا منطلقًا لعمليات عسكرية ضد إسرائيل، ووجود بعض قيادات حماس على أراضيها كان حضورًا سياسيًا وإعلاميًا معلنًا وبعلم المجتمع الدولي. والأهم أنّ قطر تؤدي دور الوسيط المعترف به دوليًا، وليست دولة راعية لهجمات مسلّحة.
وفي مواجهة هذا العدوان، يحق لدولة قطر أن تشترط اعتذارًا علنيًا وصريحًا من نتنياهو مقرونًا بضمانات واضحة بعدم تكرار مثل هذا الانتهاك، وأن ترفض استقبال أي من القيادات الأمنية المتورطة في الهجوم على أراضيها. كما أن استبعاد نتنياهو شخصيًا من أي مسار تفاوضي لاحق بات ضرورة، صونًا لكرامة دولة قطر وضمانًا لمصداقية المفاوضات. ومن هذا المنطلق، فإن استمرار قطر في أداء دورها كوسيط مرهون بأن تضطلع الولايات المتحدة، بصفتها الحليف الإستراتيجي، بالضغط على إسرائيل لتعيين شخصية بديلة غير متطرفة تحظى بقبول قطري. وباعتقادي، فإن هذا هو المخرج الوحيد الكفيل باستمرار جهود الوساطة القطرية على نحو يحفظ هيبتها وسيادتها.
وفي المقابل، يتعيّن على دولة قطر الشقيقة أن تسعى إلى تقليص نفوذ ونشاط حركة حماس على أراضيها، بما ينسجم مع الهدف الإستراتيجي المتمثل في إنهاء الحرب الدائرة في غزة، والتوصل إلى اتفاق يفضي إلى إطلاق سراح الرهائن ووقف العدوان الذي يقوده نتنياهو. ويتوجب أن تدرك حماس أن هامش تحركها أصبح ضيّقًا للغاية، بما يدفعها إلى الانخراط الجاد في مسار التسوية.