facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




اختبار فرشاة الأسنان للسياسات والخدمات الحكومية


د. صالح سليم الحموري
22-09-2025 08:26 AM

في عالم يلهث وراء التحول الرقمي والابتكار الحكومي، تتدفق الأفكار والمبادرات كما يتدفق الماء في مجرى نهر سريع، لكن ليست كل قطرة تصل إلى وجهتها. بعضها يتبخر، وبعضها يتسرب دون أثر، فيما يبقى القليل الذي يروي الأرض ويترك أثرًا. فكيف يمكننا معرفة أي السياسات والخدمات الحكومية تستحق البقاء وأيها مجرد صدى "لبيروقراطية قديمة" في ثوب جديد؟ هنا يتدخل اختبار "فرشاة الأسنان".

قد يبدو الأمر غريبًا للوهلة الأولى، لكن الفكرة تنبع من نهج بسيط اعتمده "لاري بيج"، أحد مؤسسي جوجل، في تقييم الأفكار والمشاريع. كان يسأل نفسه: هل هذا المنتج يشبه فرشاة الأسنان؟ هل يستخدمه الناس يوميًا أو على الأقل بشكل متكرر؟ وهل يجعل حياتهم أفضل؟ فإذا لم تكن الإجابة "نعم"، فغالبًا ما يكون المنتج مجرد فكرة عابرة، أشبه بتلك الفرشاة الفاخرة التي اشتريتها ذات مرة فقط لاكتشاف أنها غير مريحة، وانتهى بها المطاف في درج الحمام بلا فائدة.

لكن ماذا لو طبقنا هذا الاختبار على السياسات والخدمات الحكومية؟ كم من خدمة حكومية تم إطلاقها بدعاية ضخمة، لتبدو كأنها الحل السحري لجميع المشكلات، لكنها بعد فترة قصيرة تصبح مجرد إجراء بيروقراطي زائد يُثقل كاهل الموظفين والمواطنين على حد سواء؟ تمامًا كما تحتاج الأسنان إلى تنظيف يومي، تحتاج السياسات والخدمات الحكومية إلى مراجعة مستمرة لضمان أنها ليست مجرد هياكل إدارية معقدة، بل حلول عملية تُستخدم باستمرار وتحقق قيمة حقيقية.

كيف نعرف أي السياسات والخدمات تستحق البقاء؟ الأمر بسيط: اسأل نفسك، هل هذه السياسة أو الخدمة يستخدمها المواطن بشكل يومي أو متكرر؟ هل تسهّل حياته وتجعله أكثر إنتاجية؟ إن لم تكن الإجابة "نعم"، فمن المحتمل أنها مجرد "تسوّس إداري" يجب التخلص منه أو إعادة تصميمه ليصبح أكثر كفاءة.

خذ مثلاً الهوية الرقمية، هذه الخدمة تشبه فرشاة الأسنان تمامًا، فهي ضرورية لإنجاز المعاملات بسرعة وأمان، وتُستخدم بشكل يومي أو عند الحاجة دون تعقيد. في المقابل، نجد التوقيع الورقي الذي يبدو وكأنه جزء من الماضي الجميل، لكنه لم يعد عمليًا، تمامًا مثل فرشاة مهترئة لم تعد قادرة على أداء وظيفتها كما ينبغي.

المشهد ذاته يتكرر مع "التطبيقات الذكية مقابل الطوابير الطويلة" فبينما تتيح التطبيقات الحكومية للمواطن إنجاز معاملاته خلال ثوانٍ، تُجبره الإجراءات التقليدية على الانتظار في طوابير طويلة، ليكتشف عند وصوله إلى النافذة أنه نسي ورقة مطلوبة! تمامًا كما أن فرشاة الأسنان الجيدة تمنع التسوس وتختصر عليك زيارات الطبيب، فإن الحلول الذكية توفر الوقت والجهد، بينما تعيدك الإجراءات التقليدية إلى المربع الأول.

وهناك أيضًا "الخدمات الاستباقية مقابل الطلبات اليدوية"، حيث تتوقع الحكومات الحديثة احتياجات المواطنين قبل أن يطلبوها، مثل تجديد الوثائق تلقائيًا أو إرسال التذكيرات المهمة، تمامًا كفرشاة الأسنان المثالية التي تنظف الأسنان دون عناء. أما الخدمات التي تعتمد على تقديم الطلبات الورقية يدويًا في كل مرة، فهي كشراء فرشاة غالية الثمن فقط لاكتشاف أنها غير مناسبة لك.

لماذا هذا الاختبار مهم للحكومات؟ لأنه يحمينا من "فخ الإبهار الزائف “كم مرة شهدنا إطلاق خدمات حكومية بدت مذهلة في المؤتمرات الصحفية، لكنها لم تضف أي قيمة حقيقية؟ مثلما نقع أحيانًا في فخ شراء منتجات تبدو ثورية لكنها بلا جدوى، فإن بعض السياسات والخدمات الحكومية لا تتجاوز كونها تجربة مؤقتة تنتهي سريعًا دون أثر ملموس.

ولأنه يساعدنا على "التركيز على القيمة الحقيقية"، فالحكومة ليست ساحة لعروض تسويقية، بل مؤسسة تقدم خدمات تمس حياة الناس مباشرة. إن لم تكن السياسة أو الخدمة تُستخدم يوميًا أو تحقق فائدة مستمرة، فما جدواها؟

وأخيرًا، لأنه يزيل "الضوضاء من عالم البيروقراطية"، الحكومات مليئة بالمبادرات والمشاريع، لكن القليل منها فقط يصمد أمام اختبار الزمن. تمامًا كما تؤدي فرشاة الأسنان التقليدية وظيفتها ببساطة وفعالية، فإن الخدمات والسياسات الحكومية الجيدة يجب أن تكون واضحة، سهلة وذات تأثير حقيقي، وليس مجرد إجراءات متراكمة تعقّد الأمور بدلًا من تبسيطها.

لذلك، في المرة القادمة التي تطلق فيها الحكومة سياسة أو خدمة جديدة، لا تتسرع في الاحتفاء بها! اسأل نفسك: هل تشبه فرشاة الأسنان؟ هل سأستخدمها بشكل يومي؟ هل تجعل حياتي أفضل؟ إن لم تكن الإجابة "نعم"، فقد يكون الوقت قد حان لرميها في سلة "الإجراءات غير الفعالة"، تمامًا كما نفعل مع فرشاة انتهت صلاحيتها ! وكفانا بيروقراطية وسياسات وإجراءات زائدة، فقد آن الأوان لأن تصبح الخدمات الحكومية جزءًا من حياتنا اليومية بسلاسة، لا عبئًا نحتاج إلى تجاوزه!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :