منبر العالم يشهد: صرخة ملك من أجل عدالة غائبة
د. هيفاء ابوغزالة
24-09-2025 10:27 AM
من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، ألقى جلالة الملك عبدالله الثاني كلمةً حملت في طياتها قوة الموقف وصدق المشاعر، فكانت بمثابة جرس إنذار للعالم أجمع، وصرخة مدوية ضد الظلم التاريخي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ أكثر من ثمانية عقود.
جلالته بدأ كلمته بالإشارة إلى عبثية تكرار الحديث عن القضية ذاتها في كل دورة أممية، وكأن الزمن قد توقف عند معاناة الفلسطينيين، الذين يواجهون القصف والتشريد والحرمان من حقوقهم الأساسية، “مراراً وتكراراً”، دون أن يجد المجتمع الدولي حلاً عادلاً. وفي تساؤل عميق يلخص حجم المأساة، طرح الملك السؤال الذي بقي بلا جواب: إلى متى؟
الخطاب حمل نقداً مباشراً للمعايير المزدوجة في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ أوضح الملك أن هذا الصراع يختلف عن غيره، فهو أطول صراع مستمر في العالم، ويمثل انتهاكاً سافراً للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة. ومع ذلك، ظل العالم يتعامل معه ببرودٍ وتجاهل، بينما يتوسع الاستيطان وتُهدم البيوت وتُدنَّس المقدسات في القدس.
وفي قراءة لجوهر الخطاب، يتضح أن الملك عبدالله الثاني أراد أن يعرّي وهم “شراكة السلام” مع حكومة الاحتلال، مؤكداً أن أفعالها على الأرض لا تترك أي مجال لبناء سلام، بل تسعى بشكل ممنهج لدفن فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. كما حذر من الخطاب الإسرائيلي الاستفزازي الذي ينادي بإقامة “إسرائيل الكبرى”، وما يحمله من تهديد لحروب دينية لا تقف عند حدود المنطقة.
في المقابل، لم يخلُ الخطاب من إبراز دور الأردن المحوري؛ فالأردن، كما قال جلالته، ليس مجرد شاهد على المأساة، بل شريك فاعل في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ورافعة أساسية في الجهود الإنسانية، حيث يعمل الجيش العربي والأطقم الطبية الأردنية على إيصال المساعدات إلى غزة حتى تحت القصف والنيران. إنها صورة متجددة للإنسانية الأردنية وعمق التزامها بالقيم.
غير أن الأهم في كلمة الملك كان البعد المستقبلي؛ إذ شدد على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن، ليس للفلسطينيين وحدهم، بل للإسرائيليين أيضاً، مؤكداً أن الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ليست منحة ولا مكافأة، بل حق تاريخي وأخلاقي لا يجوز التنازل عنه.
وفي خاتمة خطابه، حمل الملك رسالة أمل رغم كل السواد: فضمير العالم بدأ يتحرك، وشعوب الأرض رفعت أصواتها مطالبة بوقف دائم لإطلاق النار، وإغاثة غزة، والشروع في إعادة إعمار ما دمره الاحتلال. ومن هذا المنبر الأممي، دعا جلالته الأمم المتحدة إلى أن تلتحق بهذا الضمير الإنساني وأن تجعل من السلام واقعاً لا شعاراً.
بهذه الكلمة، أعاد الملك عبدالله الثاني وضع فلسطين في صدارة الأجندة الدولية، وذكّر العالم أن تجاهل هذه القضية لن يجلب سوى مزيد من الفوضى والعنف، فيما السلام العادل وحده كفيل بصناعة مستقبل أكثر أمناً وكرامة للمنطقة والعالم.