facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




طقوس العزاء بين المواساة والاستعراض


م. عبدالفتاح الدرادكة
24-09-2025 04:55 PM

عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية ليست مجرد طقوس موروثة نمارسها؛ بل هي جزء أصيل من هويتنا، وجذور راسخة في أرضنا. نعتز بها ونفخر بما تحمله من قيمٍ نبيلة تعزز روح التكافل والتلاحم المجتمعي. ومع الافراح والاتراح تتجسد معاني الالفة والمحبة والمشاعر المشتركة والمساهمات المادية والوجدانية التي تجعل مجتمعنا مجتمعا تتجسد فيه معاني الحديث النبوي ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

غير أن هذه العادات، التي يفترض أن تكون وسيلة للتواصل والتراحم، تسللت إليها مظاهر المبالغة حتى تحولت إلى عبء مادي ونفسي على الأسر، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. فبدل أن تكون عنوانًا للتواضع والتكافل، غدت أحيانًا ساحة للتفاخر ومضمارًا للتنافس غير المبرر، لا سيما في الأعراس والجاهات، وحتى في الأتراح.

لقد بات مألوفًا أن تُقام في بيوت العزاء ولائم تفوق ما يُقدَّم في الأفراح، حيث تُجهَّز عشرات أو مئات المناسف بتكاليف تصل إلى آلاف الدنانير، رغم أن أهل المصاب هم الأولى بالعزاء لا بتحمل أعباء الضيافة. والمفارقة أن الحزن يثقل قلوبهم، بينما يجدون أنفسهم واقفين يخدمون المعزين وكأنهم في حفل استقبال، بدل أن يتفرغوا لتلقي المواساة.

والمشهد الأشد إيلامًا حين يُعد منسف ضخم يتجاوز وزنه خمسة كيلوغرامات من اللحم وكميات مماثلة من الأرز واللبن ليُقدَّم لأربعة أشخاص، ثم يُرمى نصفه في القمامة، في صورة تمثل إهدارًا للنعمة ومصدر قلق أخلاقي وديني.

أما بيوت العزاء، التي يفترض أن تكون موضعًا للدعاء والاتعاظ، فقد تحولت أحيانًا إلى مجالس للثرثرة والقهقهة، أو حتى لإبرام الصفقات، بعيدًا عن روح المناسبة. وقد غابت المعاني النبيلة التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم»، أي أن يقوم الجيران بإكرام أهل المصاب لا العكس.

ولا تخلو بعض الممارسات من مخاطر صحية، كتبادل فنجان القهوة الواحد في بعض الاحيان ، أو العادات المستمرة حتى اليوم مثل التقبيل والملامسة المباشرة، والتي تنقل العدوى أكثر مما تنقل المواساة.

لقد آن الأوان للعودة إلى جوهر العزاء: التعزية الصادقة، والدعاء للميت، وتخفيف وقع المصاب على أهله، بعيدًا عن المظاهر الزائفة والتكاليف المرهقة. فالحزن لا يقاس بعدد المناسف ولا بحدة العناق، بل بصدق المواساة والإخلاص في الدعاء.

والله من وراء القصد.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :