هل تقوم دولة فلسطينية في هذه الظروف
م. مهند عباس حدادين
25-09-2025 10:18 AM
ثمانية عقود مرت والعالم يستنكر الأعمال الهمجية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين من قتل وتعذيب وتدمير وتهجير وتهويد، ويطالب بقيام دولة فلسطينية كما قالها بصريح العبارة جلالة الملك عبدالله الثاني ،في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الذكرى الثمانين في نيويورك،لكن لا حياة لمن تنادي ،دون إكتراث من إسرائيل التي يدعمها الغرب وخصوصا الولايات المتحدة باعتبارها قاعدة متقدمة في منطقة الشرق الأوسط تحقق مصالح الغرب ،وهي التي تساعد في إختيار الرؤساء الغربيين وخصوصا في الولايات المتحدة من خلال الدعم المادي والإعلامي خلال الإنتخابات بحشد اللوبيات ،للتأثير على القرارات الرئاسية بعدها لتصب في الصالح الإسرائيلي.
لقد مرت الدول العربية في السابق في فترات بين صحوة وسبات ،بدءا من حرب ال 67 ومرورا بحرب الخليج والربيع العربي والحرب ضد داعش وأخيرا تفكيك الأذرع والفصائل المعادية لإسرائيل،لقد استطاعت إسرائيل خلال هذه الفترة الإطاحة بجيوش ثاني وثالث دولتين عربيتين في الشرق الأوسط ،هما سوريا والعراق وعزل لا بل والتخلص من كل رئيس عربي يُعادي هذا الكيان مثل ليبيا واليمن .
إن الفترة الذهبية التي مرت على العرب في السابق لم يتم إستغلالها بعد توقيع إتفاقية السلام عام 1994،عندما كان الأفق السياسي متاحا أمام الجميع ،وكانت الإدارة الأمريكية وقتها بإدارة كلينتون قريبة جدا من تحقيق مشروع الدولة الفلسطينية،والعرب كانوا في قمة قوتهم وتقاربهم ،والحكومة الإسرائيلية حينها كانت أكثر ديمقراطية،لكن بعض الدول العربية كانت تنظر الى الإتفاقية بأنها زائلة ومرفوضة لأنها لم تصنع ذلك الحدث الذي تريده ولم تستفيد منه ،فلم تدعم تلك الإتفاقية ،وقامت بمهاجمتها بوسائل إعلامها،لتقوي موقف اليمين الإسرائيلي المتطرف تدريجيا والذي أدى الى إغتيال رجل السلام الإسرائيلي حينها إسحق رابين، حيث ساد بعدها فترة جمود في العلاقة الإسرائيلية-العربية والتقدم نحو السلام الذي يفضي الى حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية،وخلال تلك الفترة ولغاية الآن تم تفكيك المحور المعادي لإسرائيل وجميع أذرعه،مما تكشف وجود نوايا إسرائيلية إستعمارية وتوسعية في الوطن العربي خصوصا بعد سيطرة اليمين المتطرف على مفاصل الدولة الإسرائيلية وإنهاء أي فرصة بأي أفق سياسي من أجل حل الدولتين،لتسيطر على الأرض وتهيمن على مساحات الجغرافيا العربية دون ردع او خوف .
فالسؤال المطروح هل ستقوم دولة فلسطينية الآن في مثل هذه الظروف ،بينما تعسر قيامها في السابق عندما توفرت الظروف والأوضاع العربية التي أشرنا اليها ؟
للإجابة على هذا السؤال يجب إدخال متغيرات جديدة رغم الوضع العربي الآن ،وهذه المتغيرات قد تصب في النهاية بإنشاء دولة فلسطينية وهي:
أولا:أصبح العالم أكثر تعاطفا مع الفلسطينيين وأكثر كرها للإسرائيليين من خلال مواقف الشعوب العالمية والقرارات السياسية لدول العالم،حيث تأكد للجميع من حرب غزة أن الأفق الإسرائيلي هو أُفقا دمويا لا يدعو الى السلام ولا يحترم الإنسانية ومبادءها.
ثانيا: التغير في مواقف بعض الدول الأوروبية المؤثرة والداعمة في السابق لإسرائيل من حيث مواقفها في الإعتراف بقيام الدولة الفلسطينية،إضافة الى إيقاف الدعم العسكري لها.
ثالثا: الوضع الإقتصادي العالمي أصبح على وشك الانهيار فالمديونية العالمية تقترب من 130 ترليون دولار،والديون اغرقت الدول الأوروبية والولايات المتحدة،ومفاتيح الإنفراجات الإقتصادية جميعها تملكها الدول العربية،ناهيك عن الخطر الصيني الذي أصبح تأثيره واضحا على الإقتصاد الأوروبي والأمريكي ،والتقارب الصيني العربي الذي سيؤدي الى تعميق مشكلة الغرب الإقتصادية أصبح أقرب من أي وقت مضى ،فالولايات المتحدة الآن مهددة بالإغلاق الحكومي ،بمديونية تقترب من 39 ترليون دولار ،وجميع الدول الأوروبية وصلت مديونيتها لمرحلة الخطر.
رابعا:الصحيان العربي بعدم الثقة بالتحالفات الغربية ،وكان آخرها ضرب إسرائيل لقطر الحليفة للولايات المتحدة مما أدى الى التفكير في تفعيل دفاع مشترك سواء عربي-عربي أوعربي- إسلامي ،كما شاهدنا تحالف السعودية مع الباكستان،وسنشهد تحالفات أخرى قريبا.
خامسا: أصبحت الحرب الدينية الآن أقرب من أي وقت مضى وخصوصا إذا قامت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة في العبث في المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.
سادسا وأخيرا؛أصبحت إسرائيل عبئا على الغرب وهذا سيجعل الغرب يفكر مليا في الإستمرارية بدعمها.
في النهاية هذه المتغيرات السته الجديدة ،تعتبر اوراق ضغط بيد العرب من أجل قيام دولة فلسطينية تنهي صراعات عربية -إسرائيلة امتدت على مدار ثمانية قرون،وأصبحت هذه المتغيرات أيضا تؤثر على العلاقة الغربية الإسرائيلية بالسلب.
مدير مركز جوبكينز للدراسات الإستراتيجية.
* خبير ومحلل إستراتيجي وإقتصادي