خلال لقاء تلفزيوني ، فيه الكثير من ( الصراحة ) و القليل من ( الدبلوماسية ) ، فجًر توم براك السفير الامريكي لدى تركيا ، والمبعوث الخاص الى كل من سوريا ولبنان ، عدة قنابل ( صوتية ودخانية وهجينة ) في جميع الاتجاهات ، فاغضب كثيرين ولم يرضي احدا.
اللقاء الذي اجرته مع برًاك الإعلامية هادلي جامبل، لقناة ( ذا ناشيونال ) لم تزد مدته عن ٢٠ دقيقة ، لكنه حمل رسائل ( كثيرة ) و مضامين ( مثيرة) حول الأهداف الاستراتيجية لإدارة الرئيس دونالد ترامب في المنطقة، والموقف من حرب غزة ، والاوضاع في لبنان ، والموقف من ايران، والعلاقات ( المصلحية ) مع الدول العربية، واصفا العلاقة مع اسرائيل ( فقط ) بانها علاقة ( استراتيجية ) ذات قيمة خاصة لبلاده.
برًاك تاجر العقارات المشهور ، وصديق ترامب المقرًب ، تحدث بلغة ( صادمة ) عندما اكد بأن فكرة السلام في المنطقة هي (مجرد وهم ) لن يتحقق، وأن الصراع ليس حول الأرض وحدها، بل يتعلق بمسألة الشرعية والهيمنة، اذ أن الأطراف المختلفة تناضل للحفاظ على هويتها وسيطرتها، لافتا الى تزايد أعداد المسلمين في العالم ( سيصل عددهم عام ٢٠٤٥ الى 5 مليارات ) في اشارة يُفهم منها ،انه يربط التعاون والصراع ( ماضيا وحاضرا ومستقبلا ) بالديموغرافيا و( العقيدة الدينية).
الرجل تحدث بلغة ( المقاول ) وليس ( السياسي ) ومن الواضح ان همًه الاول والاخير هو ارضاء ( الرئيس ترامب ) وليس تحقيق مصالح ( البلاد والعباد) في دولته ، ولم يخف موقفه المنحاز إلى الاحتلال الإسرائيلي، قائلا إنه لا يتوافق كثيرا مع ما تفعله تل أبيب،لكنني أحترمها، لأنها تُخبرك بالضبط بما سيحدث!!!.
وتنبأ برًاك أن وقف إطلاق النار لن ينجح في حل الأزمة، مؤكداً أن كل المحاولات السابقة لم تحقق السلام، وأن الحل يجب أن يرتكز على أسس سياسية واقتصادية بعيدة عن اتفاقيات مؤقتة، وتبنى الرواية الاسرائيلية وزعم أن حماس تتحمل مسؤولية الوضع الراهن، حيث تحتجز ملايين الفلسطينيين كرهائن، مما يزيد من تعقيد أي حل سياسي أو إنساني.
وحول لبنان كان حديثه ( تحريضي ) بامتياز ، فهو يريد نزع سلاح حزب الله، لكنه غير معني بحساب الكُلفة والضرر المترتب على لبنان جراء هذه الخطوة، اذا لم تحصل بيروت على ثمن ذلك ، من خلال بسط سيادتها على كامل اراضيها وانسحاب اسرائيل من الاراضي والتلال التي تحتلها ، كون هذا الامر تحديدا هو ما يعطي الحزب المبرر والذريعة للاحتفاظ بسلاحه.
وكان برًاك ( واضحا وشفافا ) عندما تحدث عن ( الثقة ) فقال ( لا اثق باحد في الشرق الاوسط ، حتى اسرائيل،، وانه لا يوجد حلفاء لواشنطن في المنطقة بل مصالح ، وكشف ان اسرائيل هي من نفذت الهجوم في تونس ، بعد الجدل الذي أعقب حادثتي الطائرتين المسيرتين ضد سفينتين من أسطول الصمود العالمي بميناء سيدي بوسعيد.
الوضوح في مقابلة برًاك الاخيرة، يختلف تماما عن حالة ( الضبابية ) التي غلًفت تصريحاته ابان احداث السويداء ، حيث حمًل حكومة دمشق مسؤولية الاحداث قائلا ( ما حدث امر مروع لا يمكن تخيله او تصوره ، الحكومة يجب ان تتحمل المسؤوليات التي تضطلع بها ويجب ان تُحاسب) ثم عاد بعد ساعات ليقول ( الحكومة الحالية تصرفت بافضل ما بوسعها كحكومة ناشئة ذات موارد قليلة للغاية ) .
تصريحات برًاك حمالة الاوجه بشأن السويداء ، تشبه تماما مواقفه اتجاه الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا، حيث اكد اكثر من مرة انه ليس امامها الا طريق دمشق في موقف شكًل دعما لحكومة احمد الشرع ، لكنه عاد وادلى بتصريحات تعكس تأييده لطروحات ( قسد ) فيما يخص اللامركزية.
والسؤال ، هل موقف برًاك من الادارة الذاتية لشمال شرق سوريا ، متناغم مع موقف واشنطن ( الحقيقي ) ؟ ام ان موقفه متاثر - الى حد ما - بالموقف التركي ؟ ، اذ يرى ان بعض الاطراف فيها ، تعمل بتوجهات حزب العمال الكردستاني.
واللافت ان برًاك اتخذ مؤخرا قرارا مفاجئا وغير طوعي بانهاء عمل ٣ دبلوماسيين من فريقة يعملون في المنصة الاقليمية لسوريا في اسطنبول، على ملف ( الادارة الذاتية ) بسبب اختلافه مع وجهات نظرهم المؤيده لدعم ( قوات سوريا الديمقراطية )،، لكن واشنطن قررت اعادة تعيينهم ، مما يؤكد ان هناك تباينا في ( البرامج والاهداف ) بين برًاك والمركز ،حيال هذا الملف.
لا استبعد ان تتسبب ( الصراحة المفرطة ) للرجل، وضعف خبرته السياسية في المنطقة ، وتضارب مواقفه ، احيانا مع ما تفكر فيه ، وتخطط له الدولة العميقة في واشنطن ، في الاستغناء عن خدماته، ليعود الى ممارسة اعمال ( البزنس ) او تاجرا للسلاح يسوًقه في اقليم ملتهب ، يقف على فوهة بركان من بارود .
theeb100@yahoo.com