حين تصبح الجريمة عنوانًا يوميًا !
د. حسين سالم السرحان
26-09-2025 10:36 AM
صرنا بوضوح أمام ناقوس خطر حقيقي، يتمثل بالجريمة التي لم تعد فعلًا فرديًا معزولًا، بل معادلة خطرة تتصاعد في تعقيداتها ودوافعها.
آن الأوان أن نُعلي صوت التحذير لا بصوت صفارات الشرطة، بل بصرخة المجتمع كله: كفى تجاهلًا، كفى رد فعل دون أثر يُذكر،
ثلاثة شباب يُقتلون في يوم واحد. "الزرقاء، الرصيفة، وسحاب"، أماكن مختلفة، مصير واحد، وسيناريو يكاد يتكرر بالحرف.
يوم 25 أيلول الحالي لم يعد يومًا عاديًا في سجل الجرائم التي تقع في الأردن، بل بات مؤشرًا جديدًا على تصاعد مرعب في وتيرة العنف الذي يفضي إلى الموت.
الواقع الذي نعيشه اليوم يشير بوضوح إلى أن الجريمة لم تعد حدثًا طارئًا، بل ظاهرة تتمدد كماً ونوعاً. ومع أن الأجهزة الأمنية تبذل جهدًا واضحًا في ضبط الجناة وتتبع آثارهم بسرعة لافتة، إلا أن هذا لا ينبغي أن يُعتبر إنجازًا مكتملًا، فالوصول إلى الفاعل بعد وقوع الجريمة لا يمنع الضحية التالية، بل يسلط الضوء على فشل في الوقاية.
من المقلق أن تظل أدوات التعامل مع الجريمة حبيسة ذات العقلية القديمة، التي ترى أن العدالة تبدأ بعد ارتكاب الفعل، متناسية أن من واجب الدولة والمجتمع معًا العمل على منع الجريمة قبل أن تقع.
الجريمة ليست فقط لحظة إطلاق النار أو طعنة السكين، بل هي نتاج بيئة مضطربة، علاقات اجتماعية مأزومة، غياب الاحتواء النفسي، وتقصير في كشف الإشارات المبكرة للعنف.
الأدوار المطلوبة اليوم تتجاوز الأمني والقضائي، لتشمل العمل على ثلاثة مستويات متكاملة: "الوقاية، التدخل المبكر، والعلاج الاجتماعي"، نحتاج إلى مؤسسات ترى في السلوك العنيف إنذارًا يجب التعامل معه كما نتعامل مع المرض المُعدي: بالكشف، والرعاية، والعزل إن تطلب الأمر، ليس فقط بالعقاب وحده،
على مؤسسات إنفاذ القانون أن تعيد صياغة دورها، لا باعتبارها فقط ضامنة لرد الفعل القانوني والإجرائي، بل كجهات فاعلة في التثقيف، والإرشاد، وتعديل السلوك، خاصة في البيئات المهمشة والمناطق المكتظة التي تعاني من ضعف الخدمات وغياب الأمان المجتمعي، في المدارس، المساجد، الأندية، حتى مراكز الشرطة، كلها يجب أن تتحول إلى محاضن توعية وتوجيه.
أما التكنولوجيا الحديثة والمختبرات الجنائية التي تُمكّن من ضبط الجناة بسرعة، فهي ليست إنجازًا ذاتيًا بقدر ما هي أدوات مستوردة، والاستفادة منها يجب أن تكون مزدوجة: للوقاية بقدر ما هي للرصد والكشف.
والناس، الذين يُسهمون في كشف الجناة بمعلوماتهم وشهاداتهم، لا يجب أن يكونوا عناصر مساعدة فقط، بل شركاء في صناعة بيئة آمنة.
إعادة بناء استراتيجية أمنية متكاملة للوقاية من مخاطر الجريمة وحماية المجتمع صارت مطلباً ملحًا وأولوية وطنية ولعل الحكومة ومجلس الامة والقضاء ان يلتفتون إليها ليعود الأردن آمنًا كما في السابق.