facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




خطاب الملك في الأمم المتحدة إنذار استراتيجي لا يحتمل التأجيل


صالح الشرّاب العبادي
27-09-2025 11:01 PM

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يكن مجرد خطاب موسمي يضاف إلى أرشيف الكلمات الدبلوماسية ، بل كان خطابًا استثنائيًا يحمل مزيجًا من الشجاعة السياسية والصرامة الأخلاقية، ويعيد رسم حدود المسموح والممنوع في التعامل مع الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي ، الخطاب جاء بمثابة انذار اخير وتحذير نهائي للعالم وتحديدا إلى امريكا وإسرائيل ، ان إسرائيل بهذه الحكومة المتطرفة ، هي السرطان الذي سيلوث هذا الكون ولا بد من اجتثاثه . او لجمه .

العبارة المتكررة: “إلى متى؟” لم تكن استفهامًا بريئًا، بل كانت رسالة مشحونة موجهة إلى واشنطن أولًا، فالإدارة الأمريكية التي اعتادت إدارة الصراع بدل حله، وتقديم الوعود دون تنفيذ، تجد نفسها اليوم في مواجهة سؤال لم يعد يحتمل التأجيل. الأردن يلوّح بأن صبره السياسي وصل حدوده، وأن الاستمرار في تجاهل حل الدولتين يفتح الباب أمام انفجار لا يمكن ضبطه. هذه ليست مجرد مطالبة بإنصاف الفلسطينيين، بل تحذير ضمني من أن البديل عن الحل السياسي سيكون الفوضى الإقليمية التي قد تجرّ الجميع، بما فيهم الولايات المتحدة نفسها.

حين وصف الملك إسرائيل بأنها “دولة تدّعي الديمقراطية” بينما هي خارج القانون الدولي وتمارس كل احتلالاً غير قانوني، فقد انتقل بالخطاب من خانة التنديد إلى خانة التحذير والإنذار ، إنه تجريد لإسرائيل من شرعيتها الأخلاقية أمام الرأي العام الدولي. والأخطر أنه ربط هذا السلوك الإسرائيلي بخطر تحويل الصراع إلى “حرب دينية” إذا استمر العبث بالقدس والمقدسات. هذا التحذير ليس مجازيًا؛ فالأردن، بوصايته على المقدسات، يدرك أن أي تفجير في القدس سيشعل المنطقة كلها، ولن يبقى محصورًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين. الرسالة هنا موجهة لتل أبيب: لقد وصلتكم من الخطوط الحمراء، والنتيجة قد تكون مواجهة شاملة لن تستطيعوا التحكم بمداها.

في رده على تصريحات نتنياهو الذي يفاخر بقدرته على “تغيير وجه الشرق الأوسط”، طرح الملك عبدالله الثاني سؤالاً عميق الدلالة: “هل كان العالم سيستجيب بمثل هذه اللامبالاة لو أن زعيماً عربياً أطلق دعوة مشابهة؟” هذه الجملة لم تكن مجرد تساؤل بل إنذار سياسي يفضح النفاق الدولي. فالعالم الذي يشنّ الحروب على دول عربية بحجّة “تهديد الأمن والسلم الدوليين”، يقف صامتاً أمام خطاب توسعي إسرائيلي يعلن بوضوح مشروع “إسرائيل الكبرى”.

بهذا الطرح وضع الملك المجتمع الدولي في مواجهة حقيقته: ازدواجية المعايير التي تمنح إسرائيل غطاءً لتوسيع احتلالها وتغيير خرائط المنطقة بالقوة، بينما تُجرّم أي محاولة عربية للمطالبة بالسيادة أو الدفاع عن الأرض. إنها ليست كلمات للاستهلاك السياسي، بل قراءة استباقية بأن مخططات نتنياهو ليست شعارات انتخابية، وإنما برنامج توسعي قد يهدد الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا، ويفتح الباب أمام صراع إقليمي شامل.

إلى ذلك، فإن الخطاب حمّل المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية مباشرة. فالتذكير بالأرقام المروعة من الشهداء والجرحى في غزة لم يكن سردًا مأساويًا فحسب، بل إدانة لسياسة “التغاضي المتعمد” من القوى الكبرى، وخاصة الديمقراطيات الغربية. الملك وضع الغرب أمام تناقضه: كيف يمكن لدول تزعم الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان أن تصمت على مجازر بهذا الحجم؟ هنا يكمن عمق الخطاب: إنه لم يعد يكتفي بمخاطبة إسرائيل كطرف محتل، بل كشف عجز النظام الدولي نفسه.

لكن ما وراء الخطاب أخطر من ظاهره. فهو يعيد تعريف الأردن كفاعل إقليمي لا يقبل دور المراقب. الوصاية الهاشمية على المقدسات لم تُذكر كعنوان رمزي، بل كموقف صلب لا يقبل المساس. الجهود الأردنية في إيصال المساعدات إلى غزة، رغم المخاطر، لم تُطرح كإنجاز إنساني فقط، بل كإشارة إلى أن عمان تتحرك بالفعل على الأرض، وأن كلماتها ليست خطبًا بل سياسات. بهذا المعنى، يعلن الأردن أنه لن يسمح بتهميش دوره أو تجاوزه في أي صياغة للمنطقة ما بعد الحرب ، فالأردن ركن أساسي واصيل في اي عملية سياسية مستقبلية.

الرسائل المبطنة للولايات المتحدة شديدة الوضوح: إذا استمر دعمكم الأعمى لإسرائيل، فإنكم تخسرون حليفًا بل حلفاء محوريين في استقرار الإقليم. الأردن ليس دولة يمكن استبدالها أو تجاوزها؛ موقعه الجغرافي وحده يجعله عقدة استراتيجية، ودوره السياسي والتاريخي في القدس يجعله المرجعية الشرعية التي لا يمكن التغاضي عنها .
أما لإسرائيل، فالرسالة أشدّ وقعًا: أنتم لم تعودوا محميين بخطاب “السلام” و”الأمن”. خطاب الأردن هذه المرة وصفكم كدولة تخرق القانون وتغذي التطرف. ومن يقرأ بدقة يدرك أن عمان باتت أقرب إلى ان إسرائيل اصبحت عبء استراتيجي على الغرب نفسه.

أما المآلات، فهي تتحدد في ثلاثة مسارات محتملة:
الأول، أن تستجيب الولايات المتحدة وأوروبا لهذا الإنذار، فتتحرك نحو فرض وقف إطلاق نار دائم، وإعادة إحياء حل الدولتين كمسار سياسي جدي. الثاني، أن تواصل واشنطن التغطية على إسرائيل، ما سيقود إلى انفجار أكبر في غزة والضفة، وربما امتدادًا إلى لبنان وسوريا، وهو ما حذّر منه الملك حين أشار إلى تجاوز إسرائيل لسيادة الدول الأخرى. الثالث، أن يدفع استمرار هذا الجمود الأردن ودولًا أخرى إلى إعادة النظر في شكل تحالفاتها وخياراتها الإقليمية، بما في ذلك الانفتاح أكثر على شركاء جدد يوازنون النفوذ الأمريكي المتراجع.

خطاب الملك بهذا المعنى ليس مجرد مرافعة من أجل فلسطين، بل خارطة طريق لمرحلة مقبلة. هو خطاب يقيس درجة حرارة النظام الدولي، ويضع خطوطًا حمراء واضحة: القدس خط أحمر، قيام الدولة الفلسطينية استحقاق لا يمكن التنازل عنه، والاستقرار الإقليمي لن يُشترى بالمسكنات. والأهم أن هذا الخطاب يعلن أن الأردن لم يعد مجرد ناقل رسائل بين الأطراف، بل لاعب يملك موقفًا صلبًا وإرادة للتأثير في المعادلات.

في النهاية، ما يجعل الخطاب مهماً بل خطيرًا ليس فقط ما قيل، بل ما يعنيه: أن المنطقة تقف على حافة تحول جذري، وأن تجاهل هذه الحقيقة لن يؤدي إلا إلى انفجار أكبر. ومن لا يسمع نبرة الإنذار في كلمات الملك، سيتفاجأ قريبًا بأن الأحداث تترجم تلك التحذيرات إلى واقع.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :